مصيبة إن كان «الإخوان» يعولون على عودة «طالبان» كبارقة أمل تحيي مشروعهم الذي تهاوى في العالم العربي، ولم يعد باقياً من معاقله إلا بؤر مخلخة إلى حد الوهن.
سقوط «حزب العدالة والتنمية» في المغرب على سبيل المثال، وهو آخر معاقلهم في المغرب العربي، جاء عبر الصناديق الانتخابية، أي أن من لفظهم هم الناس، المجتمع، القاعدة والحاضنة الشعبية، تلك هي خسارتهم الحقيقية التي يجب أن يعوها، ولن «يصلح العطار ما أفسده الدهر»، سواء كان ذلك العطار «طالبان» أو غيرها.
فرغم أن الحزب أخذ كامل حقه وفرصته، إذ اكتسح السلطة التشريعية، وشكل الحكومة، ولم يتعرض لخيانة أو انقلاب، إنما خسارته لمائة مقعد في الانتخابات البرلمانية ما هي إلا دليل قاطع لخسارته لقاعدته الشعبية، ودليل على أنه فشل في التعاطي مع استحقاقات «الدولة»، فهو لا يملك هذا المشروع، ولم ينجح في التعايش والتوافق مع بقية مكونات المجتمع كبقية أفرعه، ولم ينجح حتى في إدارة الخدمات التي ساءت أبان توليه السلطة في كل موقع وصل فيه.
فلا يسيء «الإخوان» تقدير الأمور ويصدقون أنهم سقطوا بسبب قبول الحزب للتطبيع مع إسرائيل كما يروجون.
تهاوت القلاع «الإخوانية» كأحجار الدومينو في دولنا العربية الواحدة تلو الأخرى، فمن بقي لهم؟ وماذا بقي لهم؟
حتى أجهزة الاستخبارات الغربية التي تحالفت معهم فشلت في نفخ الروح في فلولهم، فكلما رقعوا جزءاً ممزقاً انهار الجزء الآخر، لأنهم لم يعوا الحقيقة المرة، والسبب الأهم الذي هزمهم، إنها «الحاضنة الشعبية»، ركيزتهم وزادهم وزوادهم، هي من تخلى عنهم، وتلك هي أم هزائمهم.
الحقيقة المرة التي على «الإخوان» أن يواجهوها، أنه لا الجيوش ولا القمع السلطوي من أسقطهم، بل قواعدهم الشعبية، ثورة التوانسة عليهم دليلٌ، ومن قبلهم ثورة المصريين وكذلك السودانيين واليوم يقول المغاربة رأيهم، فهوت قواعدهم إلى 12 مقعداً فقط.
هزيمتهم الحقيقية هي خسارتهم للحاضنة الشعبية، وهي أكثر إيلاماً من خسارتهم لمقاعدهم الانتخابية.
إن البناء الفكري في القواعد الشعبية، الذي استغرق السبعين عاماً، هو ما انهدم، انفض القوم من حولهم فعلاً، الانبهار بطرحهم، ربطهم بالإسلام، احتكارهم الماركة الإسلامية، كل ذلك تعرض لضربات قاسية، عنادهم وقلة خبرتهم وغرورهم السياسي أضاع منهم حتى الفرص التي اقتنصوها، نفر الناس من حولهم، زخم الربيع العربي كان فرصتهم الذهبية لوصولهم للسلطة، بعد أن تضافرت لهم كل العناصر، بما فيها الدعم الخارجي والتمويل، ولم يدركوا حجم المسؤولية التي كانت عليهم، تهافتهم على السلطة أعماهم.
لذلك فإن تراجع شعبيتهم وثورة الناس عليهم هم سببها، وهي قاطع الأمل الأخير.
فهذا البناء الذي استغرق سبعة عقود هدموه خلال عقد واحد مر على الربيع العربي ليهدم من أساسه.
لذلك فإن تهليلهم لعودة «طالبان» دليل على أنهم لم يتعلموا الدرس ولم يتعظوا، فدون القاعدة الشعبية لن يستطيعوا أن يفعلوا شيئاً، فحتى إيران التي حصلت على ذات الفرصة، وأسست لها قواعد شعبية في عالمنا العربي عبر الأيديولوجيا والتلاعب بالورقة الدينية كـ«الإخوان»، اضطرت بعد عشر سنوات أن تحتفظ بمناطق نفوذها بقوة السلاح والتهديد فقط، فلولا سلاح «حزب الله» وسلاح الحوثي وسلاح بعض فصائل «الحشد الشعبي» لما نجحت إيران بالبقاء في تلك المناطق.
فثورات الحاضنة الشعبية على عملاء إيران هي السمة الغالبة الآن على الحاضنة العربية «لمبادئ» الجمهورية الإيرانية التي صدرتها.
لذلك فحتى لو فكرت «طالبان» أو غير «طالبان» بتقديم أي دعم لهذه الجماعات في دولنا مرة أخرى، فإنها لن تستطيع أن تقدم «ثورات» بقيادات دينية، هذه الورقة احترقت، إذ لا سبيل أمامها إلا بالسلاح، فهل ما زال بين «الإخوان» فلول تصدق أنها قادرة على إحياء العظام وهي رميم؟
*نقلا عن صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية