حضرموت.. عزوف طلابي يغلق تخصصات جامعية حيوية
الجنوب - منذ 3 ساعات و 35 دقيقة
يشهد القطاع التعليمي في محافظة حضرموت واحدة من أخطر أزماته منذ عقود، مع تراجع الإقبال على التخصصات الحيوية في الجامعات الحكومية، وتسرب أعداد كبيرة من المعلمين نحو مهن أخرى، في ظل تدني المرتبات وغياب الحوافز، ما ينذر بحدوث فجوة كبيرة في الكوادر المؤهلة، ويضع مستقبل العملية التعليمية على طريق مجهول.
مصادر أكاديمية في جامعة حضرموت أكدت لـ"نيوزيمن" أن عدداً من التخصصات الأكاديمية الحيوية في كليتي التربية والآداب بجامعة حضرموت – الساحل، أُغلقت فعلياً هذا العام لعدم تقدم أي طالب للالتحاق بها، رغم قرار رئاسة الجامعة بتخفيض معدلات القبول وتمديد فترة التسجيل. وتشمل هذه التخصصات اللغة العربية، الشريعة الإسلامية، الأحياء، الرياضيات، وعدداً من الأقسام الأخرى.
وفي جامعة سيئون بالوادي، كشفت تقارير ميدانية عن توقف مخرجات أقسام أكاديمية لا تقل أهمية، بينها الرياضيات، الفيزياء، الجغرافيا، الدراسات الإسلامية، التربية البدنية، واللغة العربية، حيث أظهرت وثيقة متداولة على منصات التواصل الاجتماعي تعليق القبول فيها للعام الدراسي الحالي، وسط تحذيرات من تداعيات قد تهدد مستقبل التعليم الجامعي والمدرسي في المحافظة.
يرى أكاديميون أن توقف تخريج المعلمين المتخصصين سيؤدي إلى فجوة كبيرة خلال السنوات المقبلة في أعداد الكوادر التعليمية المؤهلة، ما يضع العملية التعليمية أمام أزمة حقيقية. ويؤكدون أن غياب دفعات جديدة من خريجي هذه التخصصات يعني أن المدارس ستفقد تدريجياً معلمي المواد الأساسية، لتزداد معاناة الطلاب والمجتمع على حد سواء.
وفي السياق ذاته، قال مصدر في نقابة المعلمين والتربويين بحضرموت إن "المدارس تواجه نقصاً حاداً في المعلمين المؤهلين نتيجة توقف المخرجات، حيث لم يعد خريجي الثانوية يرغبون في الالتحاق بالتخصصات العلمية والحيوية، والسنوات القادمة ستكون المحصلة صفراً للخريجين في هذه الأقسام الأكاديمية".
وأضاف المصدر: "لا بد من تدخل عاجل من السلطة المحلية والجهات المعنية لإعادة الاعتبار للتعليم الأكاديمي في تلك التخصصات، وذلك عبر استقطاب الطلاب وتقديم امتيازات خاصة لهم، بما يضمن للمحافظة رصيداً من المعلمين المؤهلين، وكذلك وقف سياسة التوظيف العشوائي بالتعاقدات المؤقتة، وإلزام خريجي الثانوية باستكمال دراستهم الجامعية في التخصصات التربوية والعلمية للإسهام في النهوض بالعملية التعليمية".
هذا التراجع يترافق مع ظروف متشابكة تزيد من تعقيد المشهد، أبرزها تزايد أعداد المعلمين المتقاعدين والمتوفين، إلى جانب تدني المرتبات وتأخر صرفها. وهو ما دفع أعداداً متزايدة من المعلمين إلى ترك التدريس والبحث عن فرص بديلة، سواء في التجارة الحرة أو عبر الالتحاق بالجيش والأمن، حيث يتقاضون مرتبات بالعملة السعودية.
ويقول أحد المعلمين لـ"نيوزيمن": "بعد سنوات من الخدمة في التدريس، وجدت نفسي عاجزاً عن إعالة أسرتي، فاتجهت للعمل في التجارة البسيطة، فهي رغم صعوبتها تضمن لي دخلاً أفضل من المرتب الضئيل الذي لا يتجاوز 200 ريال سعودي شهرياً".
ويضيف آخر: "العمل في سلك الجيش أو الأمن أصبح الخيار الأفضل للكثير من زملائنا، على الأقل المرتبات بالعملة الصعبة وتُصرف بشكل أفضل من رواتب التعليم، التي بالكاد تكفي لمصروف أسبوع".
ويحذر مختصون في الشأن التعليمي من أن استمرار هذا الوضع دون حلول جذرية قد يضع مستقبل التعليم في حضرموت أمام مصير مجهول، ويعرضه لخطر الانهيار الكامل، في ظل غياب البدائل الكافية لسد النقص في الكوادر. وشددوا على ضرورة تحرك عاجل من السلطات المحلية والوزارات المعنية لوضع خطط استراتيجية قصيرة وطويلة الأمد، بما يضمن استعادة التوازن التعليمي، وحماية مخرجات الجامعات من الانقراض، وضمان حق الأجيال القادمة في الحصول على تعليم جيد.