خمسة أسباب وراء تمسك الإخوان بجحيم الحرب في السودان

العالم - منذ 3 ساعات و 15 دقيقة
الخرطوم، نيوزيمن:

في وقت تتزايد فيه الدعوات المحلية والدولية لإنهاء الحرب المستمرة في السودان منذ منتصف أبريل 2023، يصرّ تنظيم الإخوان على معارضة أي مساعٍ للسلام أو تسويات تفضي إلى وقف القتال، مفضّلًا الاحتماء بجحيم الحرب التي دمّرت البلاد وأغرقتها في أسوأ أزمة إنسانية واقتصادية منذ استقلالها.

ويرى مراقبون أن خمسة أسباب رئيسية تقف خلف مقاومة التنظيم لأي حلول سلمية، أبرزها تجذر مبدأ العنف في فكره السياسي، والسعي لاستعادة السلطة، والحفاظ على النفوذ العسكري، والهيمنة المالية، والخوف من المساءلة القانونية في حال عودة الحكم المدني.

ويحذّر محللون من أن استمرار الحرب، التي تخطت 900 يوم، ينذر بانهيار شامل للدولة السودانية، في ظل اتساع رقعة الدمار وارتفاع كلفة الخسائر البشرية والمادية وتآكل النسيج الاجتماعي.

مشروع قديم بوجه جديد

يرى الوزير الأسبق بوزارة الخارجية مهدي الخليفة أن ما يجري اليوم ليس إلا "امتدادًا لمشروع إخواني قديم"، هدفه إعادة إنتاج الظروف التي تضمن بقاء التنظيم في المشهد السياسي.

ويقول الخليفة بحسب ما نشره موقع سكاي نيوز عربية: "يتبع تنظيم الإخوان استراتيجية طويلة الأمد لإطالة أمد الصراع كوسيلة لإضعاف القوى المدنية وإعادة إنتاج شبكات النفوذ والموارد، بما يجعل أي عملية سلام أو مصالحة حقيقية مهددة بالفشل".

ويضيف أن استمرار الحرب يشتت جهود المجتمع المدني ويعطل بناء التحالفات الوطنية القادرة على مواجهة مشروع الإخوان "المدمر"، لافتًا إلى أن الحرب قتلت أكثر من 150 ألف شخص وشردت أكثر من 14 مليونًا، وأدت إلى انكماش الناتج المحلي بنسبة 50% خلال عامين، بينما ارتفعت فاتورة إعادة الإعمار إلى تريليون دولار، بعد أن كانت لا تتجاوز عشرة مليارات قبل انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في أكتوبر 2021.

ويؤكد الخليفة أن "العقل الإخواني لا يعرف سوى منطق واحد: استدعاء الحرب باسم الدين، ثم ترك الشعوب تواجه الموت والخراب وحدها".

الجيش.. الحصن الأخير للتنظيم

بحسب مراقبين، فإن وقف الحرب يعني إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية على أسس مهنية، وهو ما قد يؤدي إلى تحرير الجيش من نفوذ الإخوان وتجريدهم من أهم أدواتهم للعودة إلى السلطة.

ويشير الضابط والباحث العسكري محمد نور إلى أن التنظيم، ومنذ استيلائه على الحكم عام 1989، نفذ عملية إحلال ممنهجة داخل الجيش والأجهزة الأمنية مكّنته من السيطرة على القرار العسكري لعقود.

أما الباحث الأكاديمي الأمين بلال، فيوضح أن العلاقة بين الإخوان والجيش هي "علاقة مصلحية بين معسكر الانقلابات ومجموعات العنف"، مشددًا على ضرورة بناء جيش وطني مهني واحد يمثل كل مكونات الدولة ويضع حدًا لاستخدام السلاح كأداة سياسية.

ويضيف بلال أن تفكيك النفوذ الإخواني داخل المؤسسة العسكرية يشكل تهديدًا مباشرًا لمشروعهم، ولذلك يسعون إلى إطالة أمد الحرب لمنع أي مسار إصلاحي قد ينهي هيمنتهم على الجيش.

اقتصاد الحرب.. رئة الإخوان المالية

من زاوية أخرى، يرى خبراء الاقتصاد أن المصالح المالية والتنظيمية تمثل أحد أهم دوافع الإخوان للإبقاء على الحرب.

ويقول الخبير الاقتصادي عادل سيد أحمد إن التنظيم يستفيد من الحرب عبر "خلق اقتصاد موازٍ" قائم على التهريب وتجارة السلاح والإتاوات والضرائب غير القانونية.

ويضيف: "كلما طال أمد الصراع، تمكن التنظيم أكثر من ترسيخ شبكاته الاقتصادية والعسكرية وتأمين مصادر تمويل ذاتي بعيدًا عن الدولة".

ويشير المحلل الاقتصادي وائل فهمي إلى أن أموال الإخوان تضخمت خلال فترة حكمهم، مدعومة بـ القروض الدولية التي تجاوزت 64 مليار دولار، استخدموا جزءًا منها في تمويل تنظيمات متطرفة داخل وخارج السودان، ما أدى إلى إدراج البلاد في قائمة الدول الراعية للإرهاب لأكثر من 27 عامًا، وتكبيدها خسائر قاربت 700 مليار دولار.

وخلال فترة الحكم المدني القصيرة، جمّدت لجنة إزالة التمكين عشرات الشركات والأصول التابعة للتنظيم، قبل أن يُعاد تفعيلها بعد انقلاب البرهان عام 2021. ومنذ اندلاع الحرب، عادت شركات وأذرع الإخوان للسيطرة على قطاعات حيوية، بينها التجارة الخارجية والعقود الحكومية.

وتشير تقارير أوروبية إلى أن التنظيم يخفي مليارات الدولارات من السجلات الرسمية، خصوصًا في تجارة الذهب والصادرات الرئيسة، ما يعمّق الأزمة الاقتصادية ويضعف قدرة الدولة على التعافي.

حرب بلا نهاية 

يرى المراقبون أن تمسك الإخوان باستمرار الحرب ليس موقفًا عابرًا بل خيارًا استراتيجيًا يخدم أهدافهم السياسية والاقتصادية والعقائدية في آن واحد، مؤكدين أن وقف الحرب يهدد وجودهم ونفوذهم المالي والعسكري.

ويحذر الوزير الأسبق مهدي الخليفة من أن بقاء الوضع على حاله يعني أن السودان يسير نحو انهيار كامل، في ظل غياب رؤية وطنية شاملة وتواطؤ قوى تبحث عن مصالحها على حساب الوطن.

ويختم بالقول: "الإخوان لا يعيشون في ظل السلام، بل يزدهرون فقط وسط الدمار والفوضى، حيث يمكنهم إعادة تدوير نفوذهم وشرعنة حضورهم من جديد".