تحليل: أفورقي وترديد رواية إيران والإخوان.. الهروب من أزمات إريتريا نحو البحر الأحمر
السياسية - منذ ساعة و 39 دقيقة
عدن، نيوزيمن، عمار علي أحمد:
على عكس عادته، أطل الرئيس الإريتري، إسياس أفورقي، على شاشة التلفزيون الرسمي ليطلق تصريحات لافتة وغير مسبوقة عن المشهد في اليمن والأحداث التي تشهدها منطقة البحر الأحمر وباب المندب.
حيث تحدث أفورقي، في مقابلة مع تلفزيون (Eri-TV)، عما قال إنها مطامع خارجية تسعى إلى إنشاء قواعد عسكرية أجنبية في منطقة البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، وتحديداً في الجزر اليمنية الواقعة في هذه البحار.
معبراً عن قلقه من "محاولة قوى خارجية ترسيخ مواقع هيمنة في هذه المنطقة تحديداً"، متحدثاً عن وجود "جهود لإنشاء قواعد في سقطرى، وفي جزيرتي ميون وزقر في مضيق باب المندب"، ومؤكداً سعي هذه القوى – دون أن يحددها – إلى "تهيئة مناخ ملائم لإنشاء قواعد عسكرية أجنبية في تلك المنطقة لتحقيق أهداف سياسية معينة".
الرئيس الإريتري ذهب بعيداً في حديثه إلى القول إن عدم الاستقرار في اليمن "ينبع، في جوهره، من طموح القوى العالمية لترسيخ وجود عسكري"، واصفاً ذلك بأنه "مؤامرات تشكل خطراً مستمراً على البحر الأحمر وخليج عدن وسواحل المحيط الهندي".
حديث أفورقي تضمن تناقضات واضحة؛ ففي بداية حديثه أكد أن "البحر الأحمر ليس ملكاً للدول الساحلية فحسب، بل هو ممر مائي دولي ذو أهمية جيوسياسية بالغة، تفوق أي ممر بحري آخر، سواء في المحيطين الهندي والهادئ"، مشدداً على أن "ضمان أمن هذا الممر البحري مسألة استراتيجية، ليس فقط لدول المنطقة، بل أيضاً للقوى الدولية"، حسب قوله.
إلا أنه يرفض، في حديثه، قيام أي دولة من الدول المطلة على البحر الأحمر بإبرام اتفاقيات أو تعاون مشترك مع القوى العظمى أو دول المنطقة بحجة حماية أراضيها البحرية، رغم إقراره الضمني بعجز إمكانيات بعض هذه الدول عن القيام بمهمة تأمين الملاحة في البحر الأحمر.
وبعيداً عن صحة ما قاله الرئيس الإريتري، فإن اللافت في حديثه هو غياب الإشارة مطلقاً إلى السبب الرئيسي وراء ما يشهده البحر الأحمر من تحشيد عسكري، والمتمثل بالهجمات التي تشنها مليشيا الحوثي الإرهابية منذ عامين ضد الملاحة الدولية في البحر الأحمر، تحت ذريعة مساندة القضية الفلسطينية.
وهو ما جعل حديثه يلقى رواجاً كبيراً لدى إعلام مليشيا الحوثي التي احتفت بتصريحاته المتطابقة بشكل كبير مع الرواية التي تروج لها المليشيا حول البحر الأحمر، كما أنها تُنشر – تصريحاً أو تلميحاً – إلى الدور الإيراني في هذا الملف، رغم عشرات التصريحات التي أطلقها المسؤولون الإيرانيون وتفاخروا فيها بنفوذهم في هذه المنطقة الاستراتيجية.
كما أن هذه التصريحات لاقت ترحيباً لافتاً لدى إعلام ونشطاء جماعة الإخوان في اليمن، حيث رأوا فيها تعزيزاً لمزاعمهم المستمرة منذ سنوات حول وجود قواعد أجنبية سرية في الجزر اليمنية، كان آخرها مزاعم وجود قواعد عسكرية إماراتية في جزيرتي ميون وزقر.
وإلى جانب ذلك، فإن اللافت في تصريحات الرئيس الإريتري، إسياس أفورقي، والمعروف بندرة ظهوره الإعلامي، عدم تطرقه للأزمة المتصاعدة بشكل خطير بين بلاده وإثيوبيا، عقب التصريحات العلنية التي أطلقها قادة أديس أبابا بالرغبة في الاستحواذ على منفذ على البحر الأحمر بالقوة العسكرية، والحديث عن ميناء "عصب" الإريتري تحديداً.
وبدأت الأزمة مع التصريح المفاجئ وغير المسبوق الذي أدلى به رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، مطلع سبتمبر الماضي خلال مقابلة مع التلفزيون الإثيوبي الرسمي من موقع سد النهضة، بإعلانه عزمه "تصحيح الخطأ التاريخي المتمثل في فقدان بلاده منفذها البحري" في ميناء "عصب" الإريتري.
وكرر آبي هذا الموقف بحديثه أواخر أكتوبر الماضي أمام البرلمان، بأن إثيوبيا فقدت ميناءها البحري بسبب انفصال إريتريا واستقلالها عام 1993م، معتبراً أن ذلك تم بشكل "غير قانوني"، بدعوى عدم اتخاذه من جانب مؤسسات إثيوبية، كمجلس الوزراء أو البرلمان أو عبر استفتاء.
وشدد آبي أحمد في حديثه على أن مسألة وصول إثيوبيا إلى البحر هي "مسألة حتمية وجودية، ولا يمكن إيقافها"، وأن حصول إثيوبيا على المنفذ البحري لن يستغرق "سنوات مثل ما فقدناه 30 عاماً"، وأن بلاده "لن تبقى دولة مغلقة بعد الآن".
وبالتزامن مع هذه التصريحات، كثفت حكومة آبي خلال الأسابيع الماضية اتهاماتها لإريتريا بدعم الجماعات المسلحة داخل إثيوبيا، وعلى رأسها جبهة تحرير تيجراي وميليشيا "فانو" في إقليم أمهرة. ووجهت الخارجية الإثيوبية خطاباً إلى الأمين العام بهذه الاتهامات، واعتبرتها "تحالفاً جديداً يهدد الأمن القومي الإثيوبي".
ويرى مراقبون أن هذه الاتهامات الإثيوبية قد تكون مجرد ذريعة لعمل عسكري قد تقدم عليه أديس أبابا ضد إريتريا، لتحقيق حلمها بالحصول على منفذ بحري، ما ينذر بأزمة جديدة تهدد استقرار منطقة البحر الأحمر، وهو ما تجاهله تماماً أفورقي في حديثه الأخير.
ولا تقتصر التحديات أو التهديدات أمام أفورقي على الحلم الإثيوبي؛ بل إن الرجل الذي يحكم إريتريا منذ استقلالها عام 1993م يواجه تحديات داخلية اقتصادية وتنموية في استمرار حكمه للبلاد، كما أن قرب بلوغه عامه الثمانين يطرح تساؤلاً مهماً حول مستقبل أسمرة في حالة غيابه المفاجئ عن المشهد.
>
