رمضان زمن الحوثي: الزكاة على الفقراء للأغنياء
متفرقات - Thursday 17 May 2018 الساعة 04:27 pmكان من اللافت والمحرج معا، أن عبدالملك الحوثي في خطابه الذي نعى فيه صالح الصماد رئيس المجلس السياسي الأعلى بصنعاء الشهر الماضي، تمنى أن يتم إقرار ما سماه "قانون الزكاة" قبل حلول شهر رمضان، متجاوزا كل الأعراف التي تلزمه باحترام الموت وهو موضوع خطابه الأساسي كما يفترض، ولشخصية من الصف الأول لجماعته، فما هو مضمون القانون الذي جعله زعيم الجماعة أولوية في خطابه؟
قبل مقتل الصماد انشغل الرأي العام اليمني بقصة مشروع قانون "بشأن الزكاة والرعاية الاجتماعية" الذي قدمه الحوثيون إلى البرلمان لإقراره وتم تحويله فعلا إلى اللجنة المختصة حسب برلمانيين يمنيين انتقدوا الموضوع يومها أبرزهم أحمد سيف حاشد، لكن الشارع لم يتعامل بجدية مع الأمر، حيث اعتقد أن هذا الأمر لا يمكن لعاقل مجرد التفكير به، فهذه الأموال التي يقولون أنها "لله ورسوله" لا أحد يعلم من هم ورثة الله ورسوله من الناس لتصرف أموال الفقراء عليهم دون سواهم، لكنهم يحددون أنفسهم حصريا حسب ادعاءاتهم بأنهم ينتمون إليه، بغض النظر عن صحة انحدارهم من سلالة الرسول الكريم من عدمها.
احتوى القانون موادا تقضي بأن 20% من الموارد العامة وكل عائدات الثروات الطبيعية بما فيها النفط والغاز من حق (آل البيت)، أو الخُمُس بلغة فقهاء الجماعة، وبعد أن كان تحصيل الزكاة طوال عقود من صلاحيات المجالس المحلية، ويخضع إنفاقها لضوابط قانونية محددة وواضحة، قضى القانون بأن هذه النسبة (الخُمُس) تقع صلاحيات إنفاقها بيد رئيس المجلس السياسي التابع لهم وحده، وهي ممارسات تتناقض مع أبسط مبادئ المواطنة المتساوية التي ترفض التمييز العنصري بأي شكل من الأشكال وفقا لدستور الجمهورية اليمنية المغدور.
رغم أن من تبقى من أعضاء البرلمان بصنعاء يقعون تحت قبضة الحوثيين الذين يمنعونهم من الخروج من العاصمة خشية انضمامهم للشرعية، فإن هؤلاء مجرد أقلية لا تحقق أي نصاب قانوني لإقرار أي قانون، وفي كل الأحوال فإن إجبارهم على إقرار ما يريده الحوثيون فعل مناقض للدستور والقوانين النافذة، وهم أيضا لا يمثلون الناخب اليمني بعد خلو المجلس من التنوع والتعدد وتحوله إلى أدوات لا تملك القدرة على الدفاع عن نفسها وحقوقها، إلا أن عدم إقرار البرلمان لهكذا قانون يتناقض مع أهم مبادئ الدستور اليمني حتى الآن أمر يستحق التقدير.
ومع انتظار أكثر من مليون موظف أي حديث من قبل سلطة الأمر الواقع عن دفع مرتباتهم المنقطعة من عامين تقريبا، فقد بادر مهدي المشاط الذي نصبته الجماعة كرئيس للمجلس السياسي الأعلى خلفا للصماد، لم ينتظر إقرار البرلمان لقانون الزكاة والرعاية الاجتماعية، بل أعلن تشكيل هيئة الزكاة فور توليه منصبه، ورشوته البرلمان بصرف بدل الجلسات المتراكم لشهور، فتشكيل الهيئة يفترض أن يكون بعد إقرار القانون وليس قبله.
معروف أن هناك مصلحة الواجبات وهي هيئة تابعة لوزارة المالية ولديها فروع في كل مديريات اليمن، تشرف على تحصيل إيرادات الزكاة وفقا للقانون، وتشكيل هيئة جديدة للزكاة يقتضي إلغاء هذه المصلحة لعدم التضارب، لكن الجماعة لا يهمها كما يبدو غير تحصيل المزيد من الأموال والتحكم بإنفاقها دون مساءلة ولا رقابة، دون مراعاة لوصول ملايين الناس حافة المجاعة حسب التقارير الدولية المتعاقبة التي تصنف اليمن كأشد أزمة إنسانية في العالم.
مطلع العام الجاري أعلنت صحيفة الثورة أن على (المتهم محمد إسماعيل العمراني) الحضور للمحكمة خلال شهر واحد وإلا ستتم محاكمته غيابيا بتهمة التهرب عن دفع الزكاة.
العلامة العمراني هو أهم رجالات الفقه والإفتاء في اليمن، ويحظى باحترام كل اليمنيين لأنه لا ينحاز لمذهب ولا يتعصب لطائفة، فأراد الحوثيون تشويه سمعته والحط من مكانته بإعلان تهربه من دفع الزكاة، لكن إعلانهم حقق العكس من ذلك بحشد المزيد من التعاطف الشعبي مع القاضي العمراني، وازدراء الجماعة التي لا تترفع عن استخدام أبشع الطرق في التعامل مع خصومها، حيث إن القاضي العمراني رفض إصدار أية فتوى دينية لمصلحة الجماعة، حتى بعد زيارات كبار قياداتها له، ظهر وهو يقول "جوا يتريحموا لي" أي يستعطفونه للوقوف معهم، عقب سيطرتهم على صنعاء.
وبعد كل ما قام البرلمان بتمريره للحوثيين بما في ذلك أداء المشاط لليمين الدستورية أمام البرلمان قبل أسابيع، إلا أن الأخير انتهى من أداء اليمين (غير الدستورية) على كل حال، وذهب لإصدار قرار بضم عشرات الأسماء من جماعته إلى مجلس الشورى، في مساع للضغط على البرلمان بتشكيل غرفة برلمانية ثانية يهيمن عليها أتباع الجماعة، لعدم ثقتهم في البرلمان الحالي ومن تبقى من أعضائه تحت سلطتهم القهرية، باعتبارهم من أعضاء الكتلة البرلمانية للمؤتمر الشعبي العام، الذي بدوره ورغم كل الضغوط جمد شراكته في حكومة الإنقاذ المشكلة مناصفة بين الحوثيين وحزب المؤتمر قبل انفراط عقد تحالفهم وقتلهم للرئيس الراحل علي عبدالله صالح.
ملايين الجائعين والفقراء من اليمنيين ترتفع حدة معاناتهم كل يوم، ويكرس الحوثيون هذه المعاناة بصناعة الأزمات وفرض الإتاوات ومضاعفة الرسوم، وإيقاف الخدمات، ومع هذا لا يخجلون من المطالبة بإقرار وفرض 20% من الموارد العامة التي هي حق لجميع اليمنيين لجماعتهم وقياداتها بفعل الادعاء السلالي الطائفي المقيت.
قبل أن يحل شهر رمضان ومع تلكؤ هيئة مراقبة الأهلة لأول مرة في تاريخها عن إعلان دخول رمضان من عدمه أعلنت صحيفة الثورة الصادرة عن الجماعة حاليا، عن تحديد زكاة الفطر لكل فرد (300 ريال يمني)، بدلا عن الترويج للتراحم بين الأغنياء والفقراء، أصبح الفقراء مطالبين بدفع ما تبقى لهم من قوت لقيادات الحوثيين التي أثرت بشكل غير مسبوق وبطرق لم يسبق لإنسان أن فكر بها حتى لو كان أكبر مجرم في التاريخ.