عدنان.. شُبابة الساقية في مواجهة زوامل الخراب

تقارير - Monday 13 July 2020 الساعة 05:28 pm
نيوزيمن، كتب/ أحمد محمود النويهي:

شُبابة الَساقيِة...

البُن، والزَرع، والدَردوش قَد ضَمنا، وأصبح الحب في دُنيا المَحبة لنا..
أرضيِ أنا يا ابِتسام الحُب في كُل جِيل.. يا ارض نَشوان. يا تَاريخ شَعبيِ الاصيِل..
تحية الحُب تُهديها تِلال الدَليل..
وابُن واديِ بنيِ حَماد عَذب الجَنىّ..
وابُليبل ألا وابُليبِل وابُليبِل ألا وارحيم..

تَلك أُغنيِة لِكاتِبها والشَاعر الثَائر عثُمان أبو مَاهر.. المُناضل الكَثير وأكثر مِنا جَميعاً.. هذا الانثَربولوجيِ الَعتيد، والقلم الرشيِق، الروح صاحب العَلائق الرِفاقية، كَتبْ للدُنيا عَنها اليَمن الطبِيعية، بِلا رتوش، بلا مَساحيق، بِلا تَزلف، بِلا مَظاهر بَراقة، كَتبْ عُثمان أبو مَاهر القَصِيدة ونَظمها مَغنى وبَاله ومَغرد ومَهيد..

تَرك لنا إِرثاً نِضالياً أجَدر بنِا أن نُدونه نُدون عَنه تِلك الصُور التيِ التقطها بِخياله الَجموح، شَوط ابو مَاهر ورفيِقه أيوب طارش عبسي فيِ رِحلة تَوثيق التُراث الفَني الشَعبي وكما اصُطلح على تَسميِته "التُراث اللاماديِ" المَهجل، والُملالاه، الَمغرد، والمَهيد والمَعينيِة، البَاله، طَافوا البِلاد مِن شَرقها للغرب ومِن شَمالها إلى الَجنوب، تَتبعوا واقتفوا أثر الشجن الضاوي مع أسراب الحَمام والنَوارس السَواقي وأَين يَكون التَلّاق؟

تِلك تَوطِئة..

الَخالد الَعظيم القَائد الإِنسان عَدنان الحمادي.. كَانت هَذي ملالاته، والَباله، ومُواله إِذا مَا سَرت فيِه نَشوة المَعركة، كَان يَلوذ بِوادي البُن في "وادي بُلابل" أقَدم مُوغل لِزراعة البُن في بِلاد السَعيدة التيِ ذَكرها الرّب فيِ مُحكم التَنزيل {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} صدق الله العظيم.

كان القائد الخالد حارس البُن يقرأ لجنوده ديوان شعر لمطهر الإرياني كان قد تناوله في صنعاء أيام كان طالباً في الكلية العسكرية..

عاد عدنان يأخذ قسطاً من عناء الشوط، وقد أَرهق المليشيا في التلال، والتباب، الهضاب، والوديان، على حواف الطرق أزهق الألغام، وأتذكر أنني زرت مع فريق كبير جبهة الصلو يوم حررها بالكامل وصلنا قبل صلاة الظهر مدينة العَين كان الشهر رَمضاء، قَيض، حَر شديد..

استقبلنا أفراد مهذبون، مهندمون، أجرينا اتصالاتنا مع إعلام اللواء.. أبلغنا أن ننام ساعتين حتى يأتيَ طقم عسكري ينقل الفريق بأكمله للمواقع في الجبهة، كانت الثانية ظهراً سمعت صوتاً يهدر في صحوي بينما استغرقت بنوم عميق، على سرير عسكري مزود بناموسية تشبه بيت العنكبوت. كان الرفاق من مختلف القنوات، والمواقع الإخبارية ومواقع السوشيال ميديا..
كان اللواء يَشق طريقاً وسط جبال شاهقة، وسامقة بِسموها هذه البلاد العتيدة بِكُتب التارِيخ، والجغرافيا من لا يفقهما لا يمكن له أن ينتصر..

القائد الخالد.. العميد الذي أجاد القيافة، والقافية، ومن ثَم كان يُقدم العسكرية بِفن نافياً نفياً قاطعاً تلك العِبارة التي عُشت أرددها "العسكرية شجرة يستظل تحتها الأغبياء"..

كان فطناً، حصيفاً، ناثراً، شاعراً، يجيد العزف على شِغاف القلوب، بِمدفعُه والبنادق يَقرع في الجهات صوت الحُب لتِخرس الحَرب وتصمت، تسكن الحقول عند السوائل، والشعاب تسترخي، القرى المنزاحة في الجحيم..

لم يخض جبهة إلا وترك معالم لا تزال إلى اليوم شاخصة تتذكر طيفه الذي مَرّ هنا يَقتلع الألغام، يعزز تواجد الأمن، يُثبت المواقع، يرتب الأنساق القتالية، يُصلي على الشهداء فقد قدم اللواء رقماً تجاوز أربعة آلاف بين شهيد وجريح..

خَاض عَدنان الحَرب جَميِعها.. خَاضها ولم يُهادن.!

لم يُساوم عَلى تَعز، رفض مَارثونات الُمقامِرين، عَاش لتموّت الفَجِيعة في نُفوسنا، عاش ليموت الخُذلان، عاش يَكتب بِقلم نَاصع التَكوِين، بَاهيِ الجَبِين، بَلوري الحُروف لم يُحرف العَقِيدة العَسكرية، لم يَسمح بِحرفها عن مَسارها الذّي تشكلت على أسَاسه العَسكرية اليمنية، التزم بالخط الذّي رَسمته القيادة السياسية الشرعية الدستورية، والشعبية للجمهورية اليمنية والدولة الاتحادية القادمة من رحم هذه الحرب..
كان يؤكد إما نكون أو لا نكون..

سأنثر ما ذهبت إليه في جبهة الصلو حيث شمخت على مقربة من الغيم "قلعة الدملؤة".. راهن أحد رفاقي الأنقياء قبل عشر سنوات على أنني يوماً سأطل من هناك، كان النهار والمدافع تَستفيق، حملت قذائف مدفع 105 فوق كتفي، اعتليت المدفع كان الوقت الرابعة عصراً.. شاهدت مخزن ألغام بأحجام متنوعة وأشكال لم نعهدها من قبل، اللغم بشكل علبة ماء شملان، حدة، علبة ببسي، شكل حجر صخري ناشب بوسطه تعاريج المتغير المناخي، المليشيا تستخدم الفن التشكيلي بتقنياته الهندسية تستوحي الطبيعة تمزج بين الباروت والوتر السادس، تصنع تقاطعات مفخخة، عبوات تراكمية، متواليات رياضية، تعيد تشكيل دوائر، ومربعات التَماس بِتقنيات يَجهلها قائد محور تعز المُعاد من غَفوته بعد طول سَكرات عاشها وهو ينازع موته السَريري..!!!

يعود القائد ليورف فينا سنابل قمح لا تموت..
كان مرافعاً جيداً، وما زال شاهداً يقف أمام عدالة المَحكمة، وقد كَانت الخصم، والعَذل، والحَكم تَظنه، مُحامياً حين كان الحَامي، الحَارس الذي لا ينام، ربما فيلسوفاً احتزم الجعبة كُنت تظنه محسوباً بثقافته العتيدة، والمتنوعة ضمن قوائم النخبة التي انتسبت باكراً لاتحاد الأدباء اليمنيين، وهو الذي تَفتق باكراً وعيه ليدرك ماهية الحياة، والقضية، واليمن، وأهيمة موقعها وأين سنكون على خارطة العصر؟

عَاد عَدنان يلالي.. يمرجح القذائف لتسكن من المليشيا موضع القلب لِتخر جِباه الطُغاه صاغرين يفرون وهم يجرون أذيال الخيبة ومرارة الهزيمة والاستسلام كان يحدث ليؤمن القائد الأسير.. أجرى عبر لجان أممية تبادلات لأسرى لم يسأل عن المنطقة، والوحدة العسكرية، والبطاقة الحزبية، والرقم الجهادي، ولم يفتش في الهويات.. تبادل الجثث والأسير، وجه بصيانة كرامته، لم ينتسب إليه وإلى اللواء فخرياً ولم يمنح مدرساً واحداً رتبة عقيد ولا حتى مدرساً واحداً التحق باللواء وكانت مدارس نطاق اللواء تؤدي الدرس والنشيد لم يتوقف يوماً واحداً..

قطاع الحُجرية..

الأرض التي لم تلطخها أقدام المليشيا بشقيها الِشيعي، والسُني.. ولن يكون بمقدورها الاقتراب من أرض سكنها الأولياء، والصالحون ومقامات سيدي الباهوت لا تزال ترشف بقلبي هذا البهاء والفجر شارف على الولوج، هبّ مثلاً كما لو كنُت في حوار مع العميد سرده يطول..

كان عدنان.. أغنية عصرتها معارك اليقين وأنشودة لحنتها شبابيك القرى المعلقة بذرى ذبحان وجبل صبران والمشارقة وحيفان والمعافر والمسراخ والصلو وهيجة العبد طريق الملائك إلى جناتها عدن..

عاد عدنان يتمتم بأنشودته، أهزوجته، ومعينيته، والمهيد وأغرودته، النشيج نشيد يرفع برقيات الانتصار للنازحين، المهجرين من تخوم الكدحة التي تركها اللواء 17 مشاه وذهب باتجاه سوق الحَب "البيرين" عكس عقارب الساعة بحثاً عن الحُبوب، كان هدف محور الشر باكراً الخلاص والقضاء على القائد العميد واللواء الذي أزهق الباطل وهدم الشرك، والكفر!!

دافع الحمادي بمدفعه، والأغاني عن تراث مدينته وإرث الحركة الوطنية.. كان أيوب طارش ينشد طابوراً في كل الحصون، القلاع انتصب عَدنان فوق الشامخات على مر الأزمنة والدهور.. "قلعة-الدملؤة" حيث الصيرورة انتهت بهذا الطموح.. حيث الصيار، والصيرتين ارتفعت راية اللواء جوارها راية الجمهورية..

عند صيرة سواحل عدن شمخت قلعة شكلت بوابة عصية، وجبهة تقدمية عند البحر صارت فيما بعد قصر معاشيق حيث شطحت الجمهورية، وأعلنت الاستقلال الناجز..

كان اللواء 35 مدرع يُغني يَرعش موالاً وطنياً غزير المعاني، يُلالي، في مواجهات ضارية، وشرسة مع مليشيا تزومل على خراب البلد لتنتج الخراب، المزيد من اليتامى، والأرامل..

أوقف القائد، وذِئاب "قلعة الدُملؤة" تقدم أذناب المليشيا الانقلابية باتجاه مدينة "العَين" مركز مديرية المواسط حيث اتخذها اللواء مقراً لإدارة عملياته النوعية شرقها، والغرب شمالها، والجنوب..

كانت المِليشيا تُحاول الوصول إلى "التُربة" عَاصمة "الحُجرِية" وما زالت المِليشيا بِشقيها تُحاول الوصول لكنها لن تلحق قطارها الحَركة الوطنية..

كَتب القَائد وثيِقة للسلّم الأهليِ حِين مَنح أجهزة السلطة المَحلية فيِ جَميع مُدِيريات الحُجرِية استقلالية تامة، ودعم بكافة الإمكانات الَمادية والمعنوية، سَاند القَانون بِكل ثِقلهُ الَمدّني، والعَسكرِي بِحس وطَني مُرهف، عَزف القائد لَحن المَجد، والخُلود بِشوق الصَباح ليُشرق يمحيِ الغَسق.. كَان عَدنان تَاج النَهار حين سطع عَلى جَبين الشَمس...