قبطان سفينة الموت يكشف تفاصيل جديدة عن انفجار بيروت

العالم - Friday 07 August 2020 الساعة 02:45 pm
نيوزيمن، وكالات:

بدأ العد التنازلي للكارثة التي شهدتها بيروت منذ أكثر من ست سنوات، وتحديداً عندما توقفت سفينة الشحن "روسوس" المستأجرة من قبل شركة روسية، في ميناء العاصمة اللبنانية.

الثلاثاء دوى انفجار هائل أوقع ما يزيد عن 137 قتيلا وخمسة آلاف جريح، في وقت ما زالت تتكشف كل يوم بعض التفاصيل التي تزيد من غموض ما حصل فعليا في العنبر رقم 12 من المرفأ وأدى إلى هذه الكارثة التي أذهلت العالم أجمع.

خرج قبطان السفينة الروسي بوريس بروكوشيف عن صمته، الخميس، وقال في تصريحات عبر الهاتف لصحيفة نيويورك تايمز، من منتجع على ساحل البحر الأسود حيث بدأت السفينة رحلتها عام 2013: "لقد شعرت بالرعب بعد مشاهدة الانفجار".

وأضاف إن السفينة، التي كانت ترفع علم مولدوفا، استأجرها رجل أعمال روسي يعيش في قبرص يدعى إيغور غريتشوشكين، لنقل شحنة نترات أمونيوم تزيد عن 2000 طن إلى ميناء بيرا في موزمبيق، مشيراً إلى أن السفينة انطلقت من ميناء باتومي على البحر الأسود في جورجيا، وأنها توقفت في تركيا بسبب خلاف البحارة السابقين على الراتب، وأنه تم التعاقد معه لاستكمال الرحلة من تركيا إلى موزمبيق مقابل مليون دولار.

وبحسب مكتب محاماة لبناني يمثل الشركة، أن الشحنة كانت في طريقها لموزمبيق لاستخدام المواد في صناعة المتفجرات، وأكد القبطان أنه لم يستطع عبور قناة السويس لأن المالك أخبره أنه لم يعد قادرا على تأمين المال الكافي لدفعه، وطلب منه التوجه لميناء بيروت لتحميل شحنة آلات ستوفر لهم الأموال اللازمة لعبور قناة السويس، مضيفا أن السفينة وصلت إلى لبنان بعد شهرين من إبحارها من جورجيا.

وذكر بروكوشيف أنه عندما وصل إلى بيروت وجد أن السفينة لن تتمكن من تحميل هذه الآلات لأنها قديمة وبلغت من العمر بين 30 - 40 عاما ولم تعد تتحمل المزيد من الأوزان، وحينها، بحسب رواية القبطان، وجد المسؤولون اللبنانيون أن السفينة غير صالحة للإبحار واحتجزوها لعدم دفعها رسوم الرسوم، وعندما حاول البحارة الاتصال بغريشوشكين مالك السفينة، للحصول على المال للوقود والمواد الغذائية وغيرها من الضروريات، فشلوا في الوصول إليه، وقال بروكوشيف: "على ما يبدو أنه ترك السفينة التي استأجرها".

وأشار القبطان إلى أن ستة من أفراد الطاقم عادوا إلى منازلهم، لكن المسؤولين اللبنانيين أجبروه وثلاثة من أفراد الطاقم الأوكراني على البقاء على متن الطائرة حتى يتم حل مشكلة الديون، وطبقا لمحاميهم، فإن قيود الهجرة اللبنانية منعت الطاقم من مغادرة السفينة، وكافحوا من أجل الحصول على المواد الغذائية والإمدادات الأخرى.

وصرح بروكوشيف أن مسؤولي الموانئ اللبنانية أشفقوا على الطاقم الجائع وقدموا الطعام، لكنه أضاف أنهم لم يظهروا أي قلق بشأن شحنة السفينة شديدة الخطورة، قال: "لقد أرادوا فقط الأموال التي ندين بها".

وجذبت قضيتهم الانتباه في أوكرانيا، حيث وصفت التقارير الإخبارية الطاقم العالق بأنهم "رهائن محاصرون على متن سفينة مهجورة"، كما ناشد القبطان سفارة بلاده.

وفي النهاية اضطر بروكوشيف إلى بيع وقود السفينة واستخدام عائداته لتكليف مكتب محاماة لبناني بالدفاع عنهم، وحذر المحامون السلطات اللبنانية من أن السفينة معرضة خطر "الغرق أو التفجير في أي لحظة".

وبالفعل أمر قاضٍ لبناني بإطلاق سراح طاقم السفينة لأسباب إنسانية في 2014، بينما تم نقل الشحنة المميتة إلى عنبر 12 وبقيت هناك حتى يوم الانفجار.

وقال بروكوشيف إن المسؤولين اللبنانيين أخطأوا عندما أصروا على حجز القارب والاحتفاظ بشحنة نترات الأمونيوم في الميناء بدلا من نشرها في الحقول، مضيفا أنه علم أن السفينة غرقت في 2015 أو 2016، مشيرا إلى أنه تفاجأ بأن الانفجار تأخر كل هذا الوقت.

وتعد نيترات الأمونيوم من مكونات الأسمدة التي تسمى الأمونترات، والتي يشتريها المزارعون في أكياس كبيرة أو بالوزن. وهي منتجات غير قابلة للاشتعال ولكنها مؤكسدات، أي أنها تسمح باحتراق مادة أخرى مشتعلة، وأكدت جيمي أوكسلي، وهي أستاذة الكيمياء بجامعة رود آيلاند التي أجرت دراسات عن اشتعال مادة نيترات الأمونيوم "من الصعب جدا إشعالها" كما أنه "ليس من السهل تفجيرها".

تصريح قبطان السفينة يتناقص مع روايات أخرى، أحدها نقلتها وكالة رويترز عن موقع "شيب أريستيد. كوم"، وهو شبكة تتعامل مع الدعاوى القانونية في قطاع الشحن، أن السفينة رست في بيروت في سبتمبر أيلول 2013 عندما تعرضت لمشكلات فنية أثناء الإبحار من جورجيا إلى موزمبيق وهي تحمل 2750 طنا من نترات الأمونيوم.

وتفيد وثيقتان اطلعت رويترز عليهما بأن الجمارك اللبنانية طلبت من السلطة القضائية في عامي 2016 و2017 أن تطلب من "المؤسسات البحرية المعنية" إعادة تصدير أو الموافقة على بيع نترات الأمونيوم، التي نُقلت من سفينة الشحن "روسوس" وأُودعت بالعنبر رقم 12، لضمان سلامة الميناء.

أما وكالة الأنباء الفرنسية فنقلت عن مصادر أمنية ترجيحها أن تكون السفينة مرّت على شكل ترانزيت في بيروت، أما عن سبب توقيفها، فأكد أن شركة لبنانية ادعت لدى قاضي الأمور المستعجلة على الشركة المالكة لها، فتمّ الحجز عليها من القضاء، ثم إفراغ حمولتها، لأنها كانت تعاني من أضرار واهتراء، وغرقت السفينة لاحقا أمام مرفأ بيروت.

بينما نقلت رويترز عن موقع "شيب أريستيد. كوم" قوله إن سبب مصادرة الشحنة يعود إلى أنه وبعد عملية تفتيش السفينة التي أعقبت توقفها في مرفأ بيروت، مُنعت من الإبحار، ثم تخلى عنها مالكوها بعد وقت قصير، مما دفع دائنين مختلفين للتقدم بدعاوى قانونية.

هذه الروايات الثلاث تزيد علامات الاستفهام عن حقيقة خط سير السفينة وهل وصلت إلى لبنان عن طريق الصدفة؟ أم أن أحدهم أراد لها أن تفرغ حمولتها في لبنان بطريقة ملتوية كي لا يتحمل مسؤولية هذه الكمية من الذخائر؟ وهل فعلا أن الفساد وحده وسوء التخزين هو ما أدى إلى وقوع هذه الكارثة؟

ورداً على هذه الأسئلة، قال لقمان سليم، المحلل السياسي اللبناني، إن الروايات حول كيفية وصول السفينة إلى بيروت وأنها وصلت بسبب عيوب فنية في السفينة أو ترانزيت وحجزها بسبب عدم سدادها ديون رسوها في الميناء، بالإضافة إلى طريقة تعامل القضاء والأمن مع الشحنة والسفينة وطاقمها، تظهر أن الوجهة النهائية للسفينة هي بيروت، وليس الموزنبيق.

وأضاف إن ما حدث بعد وصول السفينة وتخزين شحنة نترات الأمونيوم في الميناء يدل على أن ما حدث هو عملية معقدة للتغطية عن الوجهة الرئيسة للشحنة التي من المؤكد انها وليست موزمبيق كما تدعى بعض التقارير.