“إب” العودة الحرفية إلى عهد “الإمامة”: كل قيادات الحوثي قادمة من شمال الشمال.. نهب الإيرادات وبسط النفوذ

تقارير - Tuesday 01 December 2020 الساعة 01:00 pm
إب، نيوزيمن، تقرير خاص:

شهدت محافظة إب طفرة كبيرة خلال الثلاثة أعوام الماضية في الأفراد والقيادات القادمة من شمال الشمال، ينافسون النازحين القادمين من مناطق الحرب جنوب وغرب المحافظة.

ذكّر الحوثي “إب” بزمن “النقائل” إبان حروب الإمامة على القبائل في الشمال وعلى الموارد في إب، فقد نقل خلال الأعوام الستة المئات من الشخصيات من محافظات شمال الشمال، وكل واحد منهم يأتي بالمرافقين والحراس والعائلة، كلها تتنافس على “إيراد المحافظة” في الدوائر الحكومية كالضرائب ومكاتب الصحة والواجبات والأوقاف وجهاز الأمن والقضاء.

يتم اختيار تلك الشخصيات من أصحاب الولاءات والقدرة على بسط النفوذ، وجلب الإيرادات تحت مسميات عدة، والحشد للجبهات.

لم تكتف بذلك، بل منحت الصلاحية لكل قيادي أن تكون له حراسته الخاصة والمجاميع المسلحة التي يختارها بنفسه من الموالين له والمعاريف. 

نبيل فاضل، أحد أبناء المحافظة وناشط حقوقي يقول لـ”نيوزيمن": “التعيينات داخل المحافظة معلوم للجميع أنها تتبع مليشيا الحوثي”. ويضيف: مثلًا، تم تعيين ماجد التينة، قبل فترة مديرًا "للزكاة" وهو من محافظة ذمار، هذا الرجل نهب لوحده ملايين الريالات ووردها إلى صنعاء، لم يعط "يتيمًا" ريالًا واحدًا في المحافظة.

في ذات السياق أفاد بأن المحافظ يدرك تمامًا أنه يشغل منصباً معطلاً، وأن قراره مُصادَر، وبمجرد ما سيرفع صوته سيتم إقالته، هذا إذا لم يتم اعتقاله أو اغتياله.

>> جريمة كل 3 ساعات إحداها “مستوطن” يقتل لأجل شوكلاته.. “إب” في زمن الحوثي

يضيف: “حتى ما يتعلق ببعض المشايخ، علاقتهم مع المليشيا قائمة على النفاق، من أجل تبادل مصالح وحشد المقاتلين، وفي نهاية الأمر الحوثي لن يقتنع إلا بآخر مقاتل”.

من جهته كتب عبد الرحمن معزب، عضو مجلس نواب، عندما يزيد الظلم يصبح الحديث أمراً اضطرارياً. في إشارة منه إلى (التينة) المعين مديرًا للواجبات الذي استبد بتجار إب، ويريد منهم مليارات تحت مسمى زكاة.

وأضاف: ليس أمام التجار في هذه الحالة إلا بيع محلاتهم وترك تجارتهم لمن يدعون صلتهم بالنبي والرحيل.

تاريخ قرأته إب عن أيام الامامة، يعود ليتجسد واقعًا اليوم، حيث كان يبيع المزارع أرضه ليوفي لدولة الإمام الجباية المطلوبة مقابل لا شيء.

ويُعتبر بند الزكاة من أهم البنود التي تُركز عليها المليشيا وتعتمد عليها بنسبة كبيرة في نهب الأموال، على اعتبار أنها ركن أساس من أركان الإسلام؛ ومن هنا يتحقق لهم الوصول إلى (الخُمس) المفروض. 

مخزون بشري

المحافظة، مثل غيرها، مليئة بالأسر التي تنتمي إلى الهاشمية، وإن بدرجات متفاوتة، لكن معظمها تدين بالولاء لمجرد التوجه أو التسمية.

تتوزع هذه الأسر بين مديريات السدة، النادرة، الرضمة، القفر السياني وكذلك العدين بمديرياتها الأربع (العدين - مذيخرة - الحزم - الفرع)، بالإضافة إلى الأسر "النقائل" منذ ما قبل ثورة 26 سبتمبر، وما تلتها من أحداث.

وقد لعب مهندس انقلاب صنعاء والعسكري المتشدد (يحيى الشامي) دورًا بارزًا في السيطرة على المحافظة، بحكم الانتماء إليها، وشغل وظائف أمنية منذ ثمانينات القرن الماضي أثناء الصراع مع "الجبهة الوطنية".

وقد كان لتعيين ابنه (زكريا الشامي) أثر كبير في تمهيد الأمور "للمشرفين" القادمين من خارج المحافظة قبل أن ينتقل إلى وزارة الدفاع برتبة لواء. 

“ع. أ. الصلاحي” ناشط سياسي يقول: شكلت الأسر الهاشمية المتواجدة في المحافظة رافدًا أساسيًا في دعم الحوثي، سواءً في الجبهات من خلال تقديم بعض أبنائها أو التأثير على الآخرين.

ويضيف: معظم هذه الأسر لا تزال متمسكة بالطقوس والتقاليد التي تعتبرها من الثوابت، مثل عدم الزواج من خارج الأسر الهاشمية والعكس، بالإضافة إلى إيمانها بمسائل ك"الولاية" وغيرها.

وأوضح أنه طوال العقود الماضية كانت هذه الأسر تعيش عزلة غير معلنة، لكنها ومع قدوم مليشيا الحوثي عبرت بصريح العبارة عن انتمائها وولائها.

ولا يستبعد الصلاحي أن هذه الأسر في اليمن الأسفل وشمال الشمال كانت ولا تزال على علاقة تنظيمية، وأن أغلبها لم تؤمن بثورة 26 سبتمبر 1962 منذ قيامها حتى اليوم.

صلاحيات معدومة

فصيل واحد يدير المشهد، إذًا، في محافظة يقطنها أكثر من 2 ونصف مليون مواطن يتوزعون على 20 مديرية.

ناهيك عن النازحين الذي يتجاوزون المليون منهم ما يقارب 500 ألف على الأقل من محافظة تعز وهو ما يوازي 30% من إجمالي النازحين في عموم الجمهورية.

بالإضافة إلى بعض المتحوثين من الدرجة الأولى والموالين للجماعة، ثم يأتي البقية كمتفرجين أو متذمرين وساخطين، وعليهم عشرات من علامات الاستفهام.

محمد عبادي، مسؤول سابق في الأمن يقول: مجموعة من القيادات هي المتحكمة، أما (عبد الواحد صلاح) المحسوب على حزب المؤتمر، صلاحيته محدودة جدًا، بحيث لا تتجاوز؛ قص "شريط" لمشروع وهمي، أو افتتاح "مقبرة" للقتلى الذين يسقطون في جبهات القتال، أو الصلح في قضايا ثأر عادية.

يضيف، حتى القضايا الخدمية مغيبة، قد يتم مناقشتها في الاجتماعات وإدراجها ضمن خطط، لكن في النهاية لا وجود لها على الأرض.

من جهته أشار نبيل فاضل إلى أن الأمر لا يتوقف عند غياب الصلاحيات وحسب، الأخطر أن هناك تغييباً ل"هوية" المحافظة ولمجتمع إب بشكل عام، فالدورات الثقافية قائمة على قدم وساق ولا تتوقف أسبوعًا واحدًا.

صراع نفوذ وإقصاءات

خلال فترة سيطرة المليشيا استطاعت إزاحة أكبر قدر من القيادات السابقة من كافة الأجهزة الحكومية، منهم قيادات محسوبة على حزب المؤتمر الشعبي العام.

وتعد المحافظة بقعة للصراع المستمر منذ العام 2015 بين القيادات، ونظرًا للمصالح المشتركة التي تتقاطع بينهم وتقاسم للإيرادات يتم حلها.

ففي وقت سابق تمت تصفية العميد إسماعيل سفيان، الذي كان قد تم تعيينه من قبل المليشيا وكيلاً للمحافظة، بعد اشتباكات وسط المدينة.

وكشفت التقارير لاحقًا أن ذلك جاء على خلفية صراع بين مدير الأمن العميد عبدالحافظ السقاف الذي تمت إقالته بعد الحادثة والمشرف الأمني للجماعة صالح حاجب، الحاكم الفعلي للمحافظة.

وخلال فترة وجيزة تم تغيير ما يقارب 3 من مديري الأمن جميعهم موالون للمليشيا، وتعتبر شخصيات مثل زكريا الشامي الذي تم تعيينه في وزارة الدفاع فيما بعد أحد الذين أسسوا للفوضى داخل المحافظة وهو نجل يحيى الشامي نائب القائد الأعلى عبد الملك الحوثي.

تأتي بعد ذلك الشخصيات ذات الألقاب المبهمة والخلفيات الهاشمية، من بيت شرف الدين والمتوكل مرورًا بالشامي والسقاف والمساوى والعماد والهادي والطاووس والحمزي والوادعي.

جميع هؤلاء من أسر هاشمية من مناطق عمران وصعدة وحجة وصنعاء وذمار وإب، بعضهم تم نقلهم من محافظات أخرى بعد أن أثبتت التقارير أن عليهم ملفات فساد مالي وأخلاقي.

ومن تلك القيادات التي تنوي المليشيا فرضها على المحافظة وهو من أبناء صعدة سلطان زابن، صاحب أكبر سجل انتهاكات للنساء بشهادة وتقارير المنظمات والذي يقف وراء اعتقال عشرات الفتيات والنساء بصورة غير قانونية.

نهب المواد الإغاثية

لم تكتف القيادات بإيرادات الضرائب ومكتب الأوقاف والنيابات العامة والمحاكم ومكتب الصحة والأشغال، بل قامت بنهب المساعدات الإنسانية والتلاعب بها.

وتشير التقارير أن المليشيا نهبت مبالغ نقدية تقدر بملايين الدولارات كانت مخصصة لترميم الشوارع والمدارس، في حين ألزمت أصحاب المحلات دفع نسبة لإعادة إصلاح الشوارع تحت مسمى "مساهمة مجتمعية".

وسجلت الإحصائيات تجاوزات قام بها مسلحون ضد مواطنين ورجال أعمال وموظفين وصلت حد القتل والضرب والاختطاف.

ناهيك عن التواطؤ مع تجار السوق السوداء من المتحكمين بالمشتقات النفطية، إضافة إلى بيع حصص الغاز المنزلي المخصصة للمديريات والقرى والحارات داخل المدينة.