تطييف القضاء.. نهج حوثي لفرض سيطرة "السلالة" وتأسيس "الإمامة"
الحوثي تحت المجهر - Sunday 13 August 2023 الساعة 09:36 amتفاجأ "ماجد ..." وهو أحد خريجي كلية الشريعة والقانون في صنعاء، باشتراطات مجحفة أثناء تقدمه للالتحاق بالمعهد العالي للقضاء في صنعاء، الخاضع لسيطرة ميليشيا الحوثي، ذراع إيران في اليمن.
العشرات إلى جانب "ماجد ..." من خريجي كليات الشريعة والقانون والحقوق في صنعاء، تم رفض استمارات قبولهم لعدم استيفائهم الشروط الحوثية التي جرى وضعها للطلاب الجدد في المعهد.
وقال ماجد: إن إدارة المعهد المعينة من قبل الحوثيين، تكتمت على موعد بدء التسجيل وقبول الملتحقين الجدد، ولكن البعض تمكن من معرفة الموعد وتوجه إلى المعهد بهدف التسجيل والالتحاق للعام الدراسي القادم. فور وصول الطلاب المتقدمين إلى المعهد تم تسليمهم استمارات التسجيل ولكنها تتضمن شروطا مجحفة بينها أخذ توقيعات وموافقة من قيادات ومشرفين حوثيين في المحافظة والمنطقة التي يقطنون فيها.
وأشار إلى أن معظم من تسلموا تلك الاستمارات لن يتمكنوا من الالتحاق بالمعهد العالي للقضاء، بسبب تعنت ورفض القيادات الحوثية توقيع وختم استمارات القبول بسبب عدم انتمائهم للسلالة كما يطلقون على أنفسهم، وأيضا عدم موالاتهم وانضمامهم للجماعة أو المشاركة في القتال في صفوفهم.
شروط مجحفة
وبحسب مصادر قضائية لـ"نيوزيمن": أن القيادي البارز، محمد علي الحوثي، المعين في منصب رئيس المنظومة العدلية العليا في اليمن، عقد عدة اجتماعات مع إدارة المعهد العالي للقضاء، بشأن تحديد المقبولين لهذا العام. وتم خلال تلك الاجتماعات المغلقة الاتفاق على تحديد أولية للملتحقين تتمثل في أبناء العائلة السلالية والموالين لهم بدرجة أساسية، دون اجتياز اختبارات القبول المحدد.
وأضافت المصادر إن إدارة المعهد المعينة من قبل الحوثيين، استحدثت هذا العام استمارة جديدة هدفها تعجيز المتقدمين من غير الموالين لهم. تضمنت فقرات الاستمارة النهائية شروطاً غير منطقية تتضمن اشتراطات بضرورة المشاركة في القتال في الجبهات، والالتحاق بالدورات الطائفية التي تقيمها القيادات الحوثية في مناطق سيطرتهم، وغيرها من البنود التي تحاول إدارة المعهد الحوثية تعجيز الملتحقين.
كما أن تعجيز إدارة المعهد للملتحقين الجدد وصل للمطالبة بتوقيعات عدة تبدأ من مدير المديرية التي يقطن فيها المرشح، وصولاً إلى مدير الأمن ومدير المخابرات، وما يسمى مندوب التعبئة في المحافظة، والمشرف الحوثي في المحافظة، وآخرها محافظ المحافظة.
استبعاد متعمد
خلال العام السابق في المعهد، استبعدت الميليشيات الحوثية نحو 200 طالب بعد أن اجتازوا كل الاختبارات بنجاح، وتم استبدالهم بعناصر غير مؤهلة تم ترشيحهم من قبل قيادات حوثية بارزة بينهم محمد علي الحوثي، وأبو علي الحاكم، وعبدالكريم الحوثي. ورغم ما أثارته وخلفته الحادثة من استنكار ورفض شعبي، إلا أن الميليشيات الحوثية تواصل عملية تطييف المعهد وقبول الموالين فقط.
وأشارت المصادر القضائية أن عملية الدراسة في المعهد باتت مقيدة ومحصورة لفئة معينة، وأن أغلب الدارسين تم قبولهم بتعليمات وتوجيهات من محمد علي الحوثي الذي نصب نفسه رئيس الهيئة العدلية العليا. مشيرة إلى أن هناك تعديلا كبيرا في المناهج داخل المعهد تخدم النهج الحوثي وتروج للفكر الطائفي، ناهيك عن إجبار الدارسين على حضور دورات طائفية حوثية يجري تنظيمها على مدار السنة.
تجريف القضاء
وركزت مليشيا الحوثي منذ انقلابها في سبتمبر 2014 وسيطرتها على صنعاء وعدد من المحافظات اليمنية على إحكام سيطرتها على جميع أجهزة الدولة وصنع القرار، وإحداث تغييرات فيها لفرض الفكر الحوثي الطائفي. ونالت المؤسسة القضائية الاستهداف الأكبر من جرائم الانقلابين ما بين قمع وترهيب وقتل القضاة وتغيير أسلوب العمل بهذه المؤسسات.
وعينت الميليشيات لهذه المهمة القيادي البارز، محمد علي الحوثي، والذي بات يترأس ما يسمى "الهيئة العدلية العليا"، وهي حوثية هدفها الأساسي تجريف القضاء واستغلاله لمصالحهم وأجندتهم في السيطرة واستهداف خصومهم.
وعملت الميليشيات الحوثية عبر "الهيئة العدلية" على إقصاء كل القضاة المعارضين للفكر الحوثي، وتعيين موالين لهم لتمرير الأحكام الجائرة ضد خصومهم، وإجبار مسؤولي القضاء على تقديم استقالاتهم، وتعزيز عمل الكيانات القضائية الحوثية الموازية، والتوسع في نهب الثروات اليمنية بأحكام قضائية بينها فرض الحارس القضائي على ممتلكات خصومهم والمناهضين لحكمهم.
الانتهاكات الحوثية بحق العاملين في السلك القضائي إجبرت الكثير من المسؤولين والقضاة على تقديم استقالاتهم، بعد استخدام أبشع أدوات القمع بحقهم من سجن وقتل وتعذيب ومصادرة ممتلكاتهم وعدم دفع رواتبهم واستهداف عائلاتهم.
قضاء حوثي
وخلال السنوات الماضية، عمل الحوثي وعدد من أعوانه على إفراغ السلك القضائي، واستبداله بمنظومة جديدة قدمها الحوثي كجهة موازية للقضاء بينها "المنظمة العدلية العليا" وكذا كيانات أخرى هدفها العمل على حل القضايا العالقة في المحاكم تحت أحكام تصدرها القيادات الحوثية المعينة على تلك الهيئات والكيانات الموازية للقضاء. حيث تجبر الميليشيات الأطراف على قبول الأحكام بالتي تصدرها لحل القضايا واستخدام القوة لفرضها.
وخلال الفترة من 2019 إلى 2023 عملت المنظومة العدلية الحوثية وعبر قيادات تابعة لها في إنهاء قضايا شائكة تحتاج لقضاء عادل وليس لأحكام وأعراف طائفية بعيدة كل البعد عن التشريعات الإسلامية والقانون اليمني. وبحسب وسائل الإعلام الحوثية، تدخل القيادي محمد علي الحوثي وقادة حوثيين في إجراء مصالحات ودية في 286 خلافاً قبلياً خلال 4 أعوام.
تشكيل الكيانات القضائية وتسخير القوة لها، رافقها أيضا حملة واسعة لحوثنة القضاء، وهو ما حدث أواخر العام الماضي، حيث أصدر زعيم الميليشيات “عبدالملك الحوثي” قراراً يقضي بتعيين 1200 شخص من الموالين له والذين لا يمتلكون أي خبرة في عدة أماكن قضائية متعددة المستويات والمهام، داخل المحاكم والنيابات والهيئات القضائية، ليحلوا محل مجموعة من القضاة الشرعيين الذين اتهمهم بالخيانة العظمى والعمل لصالح الحكومة الشرعية.
وقال أحد القضاة المهمشين في صنعاء لـ"نيوزيمن": هناك استحداث منظومة قضائية جديدة من قبل الحوثيين، هدفها جعل القضاة ينتهجون النهج الشيعي الإيراني، حيث يجري تعيين عناصر قضائية تلقوا تدريبات في إيران. موضحا أن الهيئة العدلية التي يدربها القيادي محمد علي الحوثي منذ 2020 هدفها مواجهة المؤسسة القضائية.
وأضاف إن الحوثيين شكلوا محاكم تفتيش جديدة كبديل عن هيئة التفتيش القضائي، إلى جانب “هيئة المظالم” التابعة لرئاسة المجلس السياسي الحوثي التي تمتلك حق الاعتراض على الأحكام القضائية الصادرة. لافتا إلى أنه جرى إيقاف أكثر من 100 قاض وعضو نيابة عن العمل عقب تصفية القاضي “محمد حمران” عضو مجلس القضاء الأعلى في اليمن والذي رفض تطييف القضاء وهو ما دفع بالحوثيين إلى تصفيته.
استغلال القضاء
إحكام السيطرة على القضاء أتاح للميليشيات الحوثية إصدار قرارات تخدم الجماعة وقياداتهم في ترهيب خصومهم عبر الأحكام الجائرة التي تصل إلى الإعدام، وكذا الاستحواذ على الممتلكات والأراضي والعقارات تحت أوامر قضائية وبإشراف ما يسمى "الحارس القضائي". واستغلت الميليشيات سيطرتها على السلك القضائي لتوجيه ضربة إلى رجال القبائل للسيطرة على ممتلكاتهم، وإضعاف شوكتهم لمنع أية انتفاضة قد تحدث مستقبلاً.
التسابق للسيطرة على القضاء خلق صراعا كبيرا بين الأجنحة الحوثية، في مقدمتها جناح محمد علي الحوثي الذي عين نفسه رئيس المؤسسة العدلية العليا، في حين الجناح الآخر يقوده "مهدي المشاط" و"أحمد حامد". فكلا الجناحين يسعيان إلى بسط نفوذهما في السلك القضائي وإحكام القبضة الأمنية لصالحهما.
وبحسب المصادر القضائية أن ما يجري في المؤسسة القضائية في صنعاء وباقي مناطق سيطرة الحوثيين، عمل ممنهج ومخطط له وليس بعيداً عن نظام الولاية التي تحاول الميليشيات الحوثية فرضها بالقوة على المجتمع اليمني.
وأكدت المصادر أن القضاء بات مختطفا ويخدم المشروع الطائفي الحوثي في ظل استمرار التغييرات الهيكلية التي ترافقها عمليات استهداف وانتهاكات للعاملين في هذا السلك. مضيفا إن التغييرات الحوثية ليس فقط على مستوى القضاء، وإنما شملت مناهج التعليم التي أصبحت محرفة ومعدلة تخدم النهج الحوثي المستوحى من إيران. الأمر الذي يؤكد أن هذه المليشيا ماضية في القضاء على جميع المعارضين لأفكارها من خلال عناصر السلالة الحوثية الذين يؤسسون لما بات يعرف بـ “الإمامة الحوثية” لإحكام القبضة الحديدية على اليمن.