مخطوطات وقطع قديمة نادرة.. استنزاف حوثي مستمر لآثار اليمن

تقارير - Sunday 17 December 2023 الساعة 09:11 am
عدن، نيوزيمن، خاص:

مثلت عملية ضبط أكثر من 120 قطعة أثرية وتاريخية قديمة في أحد الأحواش التابعة لقيادي حوثي في محافظة الجوف، دليلاً إضافياً بشأن الجهة الرئيسة التي تقوم بعمليات نهب منظمة للآثار اليمنية وتهريبها للخارج بهدف بيعها وجني أموال طائلة.

وعمدت مليشيا الحوثي- ذراع إيران في اليمن، منذ سيطرتها على السلطة إلى استهداف المواقع والمعالم الأثرية والتاريخية، إلى جانب قيام بعض القيادات بتشكيل مافيا تهريب منظمة لنقل القطع النادرة لبيعها في مزادات عالمية خارج البلد.

الكثير من الخبراء والمهتمين بالآثار والتراث اليمني وجهوا اتهامات كبيرة لقيادات حوثية بالوقوف وراء عملية الحفر والاعتداءات المتكررة التي طالت مواقع أثرية قديمة؛ إلى جانب نبش قبور قديمة وتهريب قطع أثرية نادرة من المتاحف الوطنية بهدف الاتجار غير القانوني بالآثار اليمنية.

صراع القيادات

مصادر عاملة في الهيئة العامة للآثار في صنعاء قالت إنه تم ضبط 121 قطعة أثرية كانت في طريقها للبيع والتهريب خارج البلاد؛ حيث تم ضبط هذه الكمية الكبيرة داخل أحد الأحواش التي تتبع قياديا حوثيا بارزا في محافظة الجوف.

وأشارت المصادر إلى أن خلافات كبيرة اندلعت بين قيادات حوثية حول القطع التي تم جمعها من مواقع أثرية عدة، موضحة أن الخلافات تطورت إلى إبلاغ الأجهزة الأمنية على الحوش وضبط الكمية الكبيرة التي كانت معدة للتهريب إلى خارج البلد بعد تزوير أوراقها وشهاداتها.

والقطع المضبوطة هي عبارة عن أحجار أثرية مختلفة الأحجام وبعضها غير مكتملة منها "شواهد قبور، وأجزاء منها، وكذا مذابح حجرية صغيرة، ونقوش مسندية، بالإضافة على مسرجتين".

وقال الخبير المتخصص في الآثار اليمنية عبدالله محسن، في منشور له على فيسبوك، إن الحوش الذي تم ضبطه يعد مثالاً على آلية بيع الآثار المهربة بالجملة وتمويل أشخاص لعمليات الحفر العشوائي وغير القانوني للمواقع التاريخية والأثرية، مضيفا: "تنتشر في الجوف وغيرها أحواش لبيع الآثار، كما يقوم أشخاص بينهم آثاريون بتزوير وثائق تساعد على بيعها في الخارج".

نهب متواصل..

ما شهدته الجوف من تجريف مستمر للآثار اليمنية لم يكن بعيداً عن ما جرى في محافظة ذمار الخاضعة لسيطرة الحوثيين. حيث تعرض أحد المواقع الأثرية لعملية تهريب واسعة لآثار ومخطوطات تاريخية قديمة، بإشراف قيادات حوثية بارزة في المحافظة.

وتعد منطقة "بينون" في مديرية الحدا من المناطق الأثرية الهامة في اليمن، وتحتوي هذه المنطقة على الكثير من النوادر القديمة من قطع ومخطوطات وتحف نادرة. ومؤخرا اكتشف الأهالي الكثير من المخطوطات والقطع الأثرية القيمة والنادرة، وهو ما أثار لعاب مافيا التهريب الحوثية التي سعت للسيطرة على ما تم اكتشافه تحت غطاء تسليمه للمتحف الوطني في محافظة ذمار.

بحسب مصادر محلية، فإن قيادات حوثية بارزة بينها أحمد الضرواني ونصر البيختي قريب القيادي الحوثي محمد البخيتي المعين في منصب محافظ ذمار، أجبروا الأهالي على تسليم ما لديهم من مخطوطات وتحف وقطع أثرية من أجل تسليمها للسلطات الحكومية وعرضها في المتحف، بحسب تعبيرهم. إلا أن تلك القيادات كانت لديها مخططات أخرى لنهب تلك الآثار والمخطوطات.

وأشارت المصادر إلى أن القيادات الحوثية رفضت تسليم القطع والمخطوطات إلى إدارة المتحف الوطني كما وعدت، في تأكيد صريح على سعي الميليشيات لتهريبها وبيعها في الخارج لجني أموال بالعملة الصعبة، موضحة أن القيادات الحوثية تسلمت بالقوة الكثير من الآثار من أهالي بنيون بعد تهديدهم بالسلاح دون حتى التوقيع على سندات الاستلام.

لم تكتف الميليشيات بعملية نهب القطع الأثرية من المواطنين في منطقة "بنيون"، وشنت حملة أمنية واسعة لاعتقال المواطنين الذي يرفضون تسليم ما بحوزتهم من آثار لتلك القيادات الحوثية. وبحسب الأهالي فإن القيادات الحوثية المقربة من محافظ ذمار تقود مافيا لتهريب الآثار من ذمار وبيعها للخارج.

مزادات عالمية 

منذ انقلاب الحوثي في العام 2015 وحتى العام 2023، تضاعف عدد القطع الأثرية والتحف النادرة التي يتم عرضها في مزادات علنية بدول غربية، بعد أن جرى تهريبها عبر سماسرة وعصابات متخصصة في سرقة وتهريب الآثار إلى خارج البلاد.

خلال نوفمبر الماضي فقط تم رصد عملية بيع آثار يمنية بينها وَعْل برونزي يعود للقرن الخامس قبل الميلاد، ومجسم نسائي نادر مع نقش بخط المسند، و«شاهدة» نادرة يعود تاريخها إلى القرن الأول قبل الميلاد، وقطعة «كيوبيد» نادرة، إضافة إلى مجموعة تحف وتماثيل وقطع أثرية يقدر عمر بعضها بنحو 5 آلاف عام.

استمرار المزادات العلنية لبيع الآثار اليمنية يأتي في ظل استمرار أعمال النهب والتنقيب العشوائي بعدد من الأماكن والمواقع الأثرية المنتشرة بالمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، بحثاً عن آثار ونقوش قديمة من قبل عصابات ومافيا الآثار المدعومة من قبل كبار قادة الجماعة.

ووفقاً لمصادر يمنية، فإن نحو 12 متحفاً أثرياً في مناطق سيطرة الحوثي تعرضت للنهب والاستيلاء على مقتنياتها، وهذا ما أكدته تصريحات لمسؤولين في الهيئة العامة للآثار الخاضعة لسيطرة الميليشيات نفسها. وتعمدت الميليشيا تعطيل عمل الهيئة وتقليل الميزانية المرصودة لهذه الجهة الحكومية للقيام بدورها في حماية وتأمين المواقع الأثرية والتاريخية والتصدي لعمليات التهريب والاستنزاف التي تتعرض لها آثار اليمن.

وكان تقرير نشره مركز كارنيجي لدراسات الشرق الأوسط، أكد أن أكثر من ثلاثة آلاف قطعة أثرية مهربة من اليمن تتواجد في المتاحف العالمية، لافتا إلى أن تلك القطع جرى تهريبها خلال فترة الحرب التي تشهدها البلاد منذ تسع سنوات. 

وقال التقرير إن الآثار اليمنية تعرضت لسلسلة من عمليات التهريب إلى خارج البلاد، مشيرًا إلى أن ذلك يعود لعمليات التهريب التي تقوم بها عصابات الآثار، والتي ازدهرت واشتهرت مؤخرًا بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة والحرب التي تدور رحاها منذ تسعة أعوام، لتصبح تلك الآثار سلعًا معروضةً في مزادات عالمية.

وبحسب المركز، "تم عرض آثار يمنية في أبرز صالات المزادات العالمية خلال السنوات الماضية، وتم خلالها بيع نحو 4,265 قطعة أثريةً يمنية في 6 دول غربية، عن طريق 16 مزادًا عالميًا في أميركا وأوروبا.

وأوضح أن عملية ازدياد نشاط وتيرة بيع الآثار اليمنية خلال فترة الحرب، بلغت 2,610 قطعة، منها 2,167 قطعة في الولايات المتحدة لوحدها، تجاوزت قيمتها (12) مليون دولار (تعادل أكثر من 12 مليار ريال يمني)، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل وضَّح التقرير احتواء 7 متاحف عالمية على 1,384 قطعةً أثريةً يمنيةً مهربةً ومسروقة.