انتصار إسرائيل على حساب خسارة العرب.. المعادلة الأمريكية في الشرق الأوسط

تقارير - Friday 22 December 2023 الساعة 11:21 am
المخا، نيوزيمن، خاص:

في رسالة منسوبة للملك الراحل عبد العزيز آل سعود إلى الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت بتاريخ 29 نوفمبر 1938، قال فيها: "ليس من العدل أن يُطرد اليهود من جميع أنحاء العالم المتمدن، وأن تتحمل فلسطين الضيقة المغلوبة على أمرها، هذا الشعب برمته".

كان ذلك قبل عشر سنوات من النكبة العربية التي تأسست على إثرها دولة إسرائيل، وقبل الحرب العالمية الثانية بسنة واحدة. حينها كانت لا تزال الولايات المتحدة الأمريكية تحاول استرضاء العرب للقبول بإقامة اليهود بينهم كونهم شعبا مشردا ومضطهدا في جميع أنحاء العالم، وكان المستوطنون الصهاينة الأوائل قد امتلكوا من السلاح والمال والأراضي ما جعلهم يشنون هجمات على الفلسطينيين في بلداتهم وقراهم، بينما كانت أمريكا وبريطانيا تستنكر تلك الهجمات وتدينها، حتى إن المتطرفين الصهاينة شنوا هجمات على مكاتب بريطانية في القدس أثناء احتلال المملكة المتحدة لها بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، ومن بين أولئك المتطرفين كان إسحق رابين وإسحاق شامير وغيرهما ممن تولوا مناصب في الدولة الإسرائيلية لاحقاً.

أما اليوم فقد أصبحت أمريكا تدعم إسرائيل سياسيا وعسكريا واقتصاديا، وتطالب الدول العربية أن تنضم علناً إلى تحالفات عسكرية ضد مليشيا الحوثي-ذراع إيران في اليمن، وهي التي ضغطت على السعودية والإمارات للضغط بدورهما على قوات المقاومة الوطنية والقوات المشتركة في الساحل الغربي لليمن لإيقاف معركة تحرير محافظة الحديدة من قبضة المليشيا التي انقلبت على السلطة الشرعية في البلاد وتحاول حتى اليوم استكمال انقلابها لبسط سيطرتها على كامل الأراضي اليمنية.

يعتقد المسؤولون الأمريكيون وحتى بعض الصحفيين والمراقبين السياسيين، أن الدول العربية، وخاصة السعودية والإمارات ومصر، متواطئة مع هجمات الحوثيين على السفن التجارية المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر من أجل الضغط على إسرائيل لوقف عدوانها البربري على قطاع غزة. سبق أن نشرت بعض وسائل الإعلام الأمريكية تحليلات من هذا القبيل، والخميس نشرت وكالة رويترز تصريحاً للسفير الأمريكي الأسبق في اليمن جيرالد فايرستاين قال فيه عن تحفظ السعودية والإمارات على الانضمام للتحالف العسكري الذي تدعو واشنطن لتشكيله وتوسيعه: "سيكون البيت الأبيض أعمى وأصم وأبكم تماماً إذا لم يفهم ما يجري ويتفاجأ برد الفعل من الجانب السعودي أو الجانب الإماراتي".

السفير فايرستاين هو أكثر الدبلوماسيين الأمريكيين معرفة بتعقيدات الوضع في اليمن، وسبق أن وجّه انتقادات مبطنة للسياسة الأمريكية في اليمن خلال السنوات التي كانت فيها السعودية والإمارات تحاولان كسر شوكة الحوثيين ودعم الحكومة الشرعية، الأمر الذي يجعل تصريحه الأخير هذا يتجه نحو انتقاد بأثر رجعي لسياسة بايدن تجاه اليمن، ابتداءً بإلغاء تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية ثم ضغطه باتجاه فرض الهدنة ومنح الحوثيين مساحة من الوقت لالتقاط أنفاسهم ومعاودة الحرب ضد الحكومة الشرعية والأطراف المنضوية تحت رايتها.

منذ ما قبل انقلاب مليشيا الحوثي على السلطة في سبتمبر 2014، كانت تظهر علامات تدليل أمريكا للحوثيين بعدم التعامل معهم كجماعة إرهابية، ومع انقلابهم على السلطة اكتفت أمريكا بسحب بعثتها الدبلوماسية وتشجيع بقية الدول على ذلك، لكنها ظلت تستخدم الجماعة كفزاعة في وجه دول الخليج العربي، بحسب تحليلات المراقبين للشأن اليمني.

لم تكترث الإدارة الأمريكية، سواءً في عهد أوباما أو ترامب أو بايدن، لتضرر اليمن من سيطرة مليشيا دينية طائفية على السلطة في البلاد أو في جزء منها هو الأكثر كثافة سكانية، كما لم تكترث كثيرا لتضرر الدولتين الرئيسيتين في التحالف العربي لمحاربة هذه المليشيا، لكن عندما تضررت منها إسرائيل، كثفت الضغط على الدولتين للانضمام إلى تحالف يردع هجمات الجماعة، دون أن تكترث لغليان الغضب الشعبي في البلدان العربية مما تفعله إسرائيل في غزة والضفة الغربية، ولا لخسارة الفلسطينيين المزيد من الأرواح والأرض والحقوق الأساسية. 

خلال اليومين الماضيين، كثفت أمريكا من تحركاتها لتوسيع التحالف العسكري لحماية الملاحة البحرية من الهجمات الحوثية بعد إعلانها عن تشكيل التحالف من عشر دول. ومع استمرارها في ذلك، بدأ المسؤولون الأمريكيون يتحدثون عن عدم انضمام السعودية والإمارات ومصر تحديداً. ورداً على سؤال لأحد الصحفيين الأمريكيين، يوم الخميس، قال المتحدث باسم الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي عن عدم مشاركة السعودية والإمارات: "سأترك لكل دولة عضو، سواءً أرادت الاعتراف بذلك أم لا، أن تتحدث عن نفسها. هناك بعض الدول التي وافقت على المشاركة وأن تكون جزءًا من هذا ولكن... عليهم أن يقرروا مدى رغبتهم في أن يكون ذلك علنيًا".