عودة الرسم العثماني من بوابة قطر.. استعمار مدفوع الأجر واستدعاء له دلالاته (2)

تقارير - Wednesday 17 June 2020 الساعة 09:59 pm
القاهرة، نيوزيمن، محمد عبده الشجاع:

استكمالًا للحلقة السابقة، وكيف انتهى الحال بين هيكل وقناة الجزيرة. حاول كريشان التهرب من رأي هيكل حول الثورة السورية بعد أن قال له بالحرف "حين يخرج الريف السوري مطالبا بالتغيير؛ هنا يمكن أن نسميها ثورة".

هيكل: أنت تسأل وأنا أجيب

كان كريشان حريصًا كل الحرص فقد عمد إلى طرح أسئلته حول الربيع العربي بحذر وحرص وفي نهاية الحلقة، هرب من سوريا ليلجأ إلى اليمن.

سأل كريشان من جديد: واليمن؟ ثم أجاب في الوقت نفسه: لا تقل إن هذه مش ثورة!

غير أن هيكل أجابه بكل ثقة: هل تريد أن تقول لي إن "القبيلة" تحولت في يوم وليلة إلى دولة مدنية؟ وحين حاول المذيع لملمة الأوراق ولم يستطع، رد عليه هيكل بعبارته الشهيرة: "أنت هنا مهمتك أن تسأل وأنا علي أن أجيب".

لم تكن إجابة هيكل صادمة للجزيرة وأدواتها وجماهيرها أيضًا في الشأن السوري، بقدر ما كانت في الشأن اليمني؛ على اعتبار أن هذه الجغرافيا (اليمن) متعوب عليها كثيرًا ولا يمكن التفريط فيها.

تلك مجرد إشارات إلى أن ما جرى لم يكن ليستقيم مع الموجة لو لا الضخ الإعلامي الذي اتكأ على شركات الغاز وخطوط طيران لا تتوقف، وإعادة توجيه البوصلة في لحظة حماس جرفت في طريقها الغث والسمين.

لعبة الأخطبوط

الحديث عن قناة الجزيرة يعني الحديث عن الغاز والخطوط القطرية والنظام في آن واحد، لأنها الدينمو المحرك والفاعل في كل هذه التوليفة حتى الساعة.

بثت الجزيرة كل ما هو صالح وغير صالح من أجل التعبئة، وكان ذلك بانتقائية بحسب المخرج، والجميع يعرف كيف سقطت ليبيا، وما حدث في مصر وحتى الفتاوى الشرعية التي أطلقها القرضاوي آنذاك مرت بالجزيرة.

>> عودة الرسم العثماني من بوابة قطر.. استعمار مدفوع الأجر(1)

تم بث فيديو لعساكر وضباط وهم يضربون سجناء بعنف، قالت إنه من السجن المركزي بصنعاء، واتضح أن المشهد قديم من العام 2007 وسبق أن بثته قنوات عديدة ومنها العربية.

توالت الأيام وكانت قطر قد عزمت على إسقاط مجموعة من الأنظمة، لصالح مشاريع جديدة في المنطقة، لم يتنبه لها العديد من المتابعين ومن الجمهور الذين كانوا يتوقون لحرية أكثر وعدالة اجتماعية ومساواة. من تلك المشاريع "الخلافة" بقيادة تركيا.

الجزيرة كغرفة عمليات

تحولت الجزيرة إلى غرفة عملية فائقة العناية، فخصصت لكل بلد قسما داخل القناة، كل قسم يرأسه مذيع من نفس البلد.

مؤخرًا أتاحت لجمال المليكي عمل أفلام وثائقية استقصائية حول اليمن، كُتب لها النجاح لدى شريحة خاصة من الناس، غير أنها كَشفت هشاشة العمل الصحفي الذي يعمل بشكل موجه.

منذ وقت مبكر فتحت الجزيرة برامجها للسخرية وشتم الرؤساء العرب وبعض القيادات، خاصة برنامج "الاتجاه المعاكس" الذي يمتلكه ويديره الإعلامي السوري فيصل القاسم.

كل ذلك كان هدفه التقليل من دور رؤوسا الدول ووظيفتهم أيا كان القصور فيها، وتسميتهم بأسماء لا تليق وشتمهم؛ كمهمة أولى لإسقاطهم بالصورة التي رسمها الإعلام الجديد.

استمر تدفق الغاز القطري، ومعه استمرت الجزيرة وبدأت بتفريخ القنوات، سواء تلك التي تتبع الشبكة رأسًا أو التي يتم تمويلها من قبل الممول الرئيسي للجميع.

أتذكر حين ذهب وسيم القرشي مدير إدارة "يمن شباب" حاليًا وأحد شباب الثورة، في زيارة إلى قطر في ذروة الربيع العربي، وحين عاد شاهده الثوار وهو يركب سيارة جيب آخر موديل، وكانت تلك قصة من قصص "التغيير" التي كُشفت مبكرًا، لسنا بصددها إلا إشارات فقط.

انقسام الخليج.. عودة تركيا

هناك مثل سائد لدى البعض كنت اسمعه من جدتي، رحمها الله، تقول فيه "إذا عَلِمَ الله بِجوْعةِ كلبٍ أمات حصان".

هكذا أدى انقسام البيت الخليجي الذي لم يكن على وفاق تام، لكنه على الأقل لم يكن بصورته المريضة اليوم؛ إلى إنعاش تركيا الغارقة في عشرات المشاكل.

لجأت تركيا إلى زعزعة أمن الجيران استغلت انهيار العراق في تقوية نفسها، وفتحت الباب للإرهاب لاجتياح سوريا، حيث أتت بالمقاتلين من أستراليا في أقصى الشرق، ومن أوروبا وبلاد المغرب العربي، ودول آسيوية إسلامية ومن الخليج وتحديدًا مقاتلين سعوديين بحكم تنشئتهم المتطرفة.

استمرت علاقتها مع إيران وإسرائيل أهم دولتين تناصبان العداء للعرب، وظل تدفق الصادرات والواردات بمليارات الدولارات، ومع ذلك لا لوم عليها لأنها ستكون الخليفة الآمر بسم الله.

دخلت "الخطوط الجوية التركية" على الخط كحليف رئيسي إلى جانب خطوط قطر وغازها، وقناة الجزيرة.

ومع وجود حكومة "الوفاق" في اليمن والتي سيطر فيها حزب الإصلاح على مفاصل المؤسسات، بدأت رحلات الخطوط التركية بالعمل، وبدا النصب التذكاري العثماني شامخًا في نهاية شارع الزبيري بصنعاء مقابل البوابة الغربية لمبنى مجمع وزارة الدفاع العرضي.

وبدأت الأخبار والأنباء تتوارد عن نقل الطيران جماعات متطرفة من وإلى اليمن، وكأن الأمر مخطط له سلفًا ولا توجد صدفة أبدًا في علاقة تركيا بأي فصيل أو دولة.

الهروب نحو الشرق

حتى اللحظة لا تزال تركيا تتهرب من مشاكلها الداخلية نحو الخارج الليبي، واليمني، والخليجي والسوري والتونسي، وكذلك المصري إن وجدت أي ثغرة، والصومالي والسوداني.

وهي على استعداد لمواجهة أي كيان أو دولة ستقف في وجه مشاريعها بأدوات جاهزة أهمها جماعة الإخوان المسلمين.

وهذا لا يعني أنها تنطلق باستقلالية من واقع إرث تاريخي استعماري كان له صولاته، فهي تتحرك اليوم بضوء أخضر من القوى الكبرى. إضافة إلا أن ذلك التحرك كما هو اليوم في ليبيا وشمال سوريا، لا يعني أنها ما تزال تشكل إمبراطورية، وإنما دولة مريضة بصراعات مختلفة؛ لن تتمكن من الاستمرار بحكم أن المتغيرات كثيرة، وأنها أي تركيا ليست إلا بعبع كنظام متخبط، وليس كجغرافيا قطعت أشواطا كبيرة في كثير من المجالات.

...يتبع