الصليف.. قصة ميناء منذ الاحتلال العثماني حتى الاحتلال البريطاني (7)

المخا تهامة - Thursday 20 June 2019 الساعة 10:55 pm
المخا، نيوزيمن، كتب/ أ.د عبدالودود مقشر

الهجوم البريطاني ومحاولة تدمير رأس عيسى

لمتابعة الحلقات السابقة:

الصليف.. قصة ميناء منذ الاحتلال العثماني حتى الاحتلال البريطاني (1)

الصليف.. قصة ميناء منذ الاحتلال العثماني حتى الاحتلال البريطاني (2)

الصليف.. قصة ميناء منذ الاحتلال العثماني حتى الاحتلال البريطاني (3)

الصليف.. قصة ميناء منذ الاحتلال العثماني حتى الاحتلال البريطاني (4)

الصليف.. قصة ميناء منذ الاحتلال العثماني حتى الاحتلال البريطاني (5)

يقع رأس عيسى على خط عرض (15 درجة و15 دقيقة) شمالاً وخط طول (42 درجة و36 دقيقة) شرقاً، في الشمال الغربي لمدينة ومحافظة الحديدة، يبعد بحوالى 60 كم شمال مدينة الحديدة على شاطئ البحر الأحمر.

تنسب إلى ولي الله تعالى القطب عيسى بن أحمد بن عمر الزيلعي العقيلي الهاشمي القرشي، وكان في القرن السابع الهجري، ومات غريقاً بالمنطقة التي نُسبت إليه والتي انقطع فيها عن العالم، فسميت بجزيرة عيسى، وأصبح قبره مباركاً مزاراً، واستوطنتها ذريته، وبرز من ذريته الشيخ العالم عثمان بن إبراهيم بن عمر بن أَحْمد بن أَبى بكر بن مُحَمَّد بْن عِيسَى بن احْمَد بن عمر الزيلعي، ولد بِجَزِيرَة عِيسَى من أَعمال اللّحيَة، أفنى كهولته وشيخوخته فِي طَاعَة خالقه وَكَانَ إمام الشَّرِيعَة والطريقة يفزع إِلَيْهِ النَّاس ويعظمونه لمكانته فِي الْعلم وَالْولَايَة، وَكَانَ سَمحاً فِي المأكل وَالْمشْرَب والملبس ورعا تقيا محافظاً على الطَّاعَات ملازما للجماعات، وَمَات فِي نَيف وَثَلَاثِينَ بعد الْألف من الْهِجْرَة، (البدر الطالع للشوكاني، جـ 2، صـ144)، ومرّ بها الرحالة الهندي العلامة رفيع الدين بن فريد الدين المراد آبادي وذكرها في كتابه (الرحلة الهندية إلى الجزيرة العربية) في سنة 1201هـ الموافق 1789م وسمع الكثير عن وليها عيسى بن أحمد الزيلعي ومناقبه.

ذكر المؤرخ اليمني التهامي إسماعيل بن محمد الوشلي تـ(1354هـ) هجوم القوات البريطانية على قرية رأس عيسى، إحدى قرى الصليف، وهي ميناء تجاري كان يستخدم في الحرب العالمية الأولى، فقال: "ثم في يوم الجمعة –غرة ذي القعدة الحرام 1333هـ / 9 سبتمبر 1915م- هجمت الانجريز على الجزيرة قرية الشيخ عيسى بن أحمد العقيلي، فأطلقت عليها الرمي بالمدفع فلم تصب شيئاً، واستولت على سبع من السواعي شاحنة من الطعام، والبز لبعض تجار الحديدة وأخذتها إلى كمران"، البز أي الأقمشة.

المقاومة اليمنية ضد الهجمات البريطانية
 
تعددت الهجمات البريطانية على الصليف والتصدي العثماني وبرزت المقاومة اليمنية ضد هذه الهجمات بل والمبادرة بالهجمات ضد القوات البريطانية، فقد "حدث اشتباك صغير أمام الصليف في 9 ديسمبر 1915م [ 2 صفر 1334هـ]، فقد أطلقت النار على السفينة لاما (Lama) بينما كانت تحاول تطويق عدد من الزوارق الشرعية، فردت النيران بالمثل ودمرت زورقين شراعيين، في بداية مارس 1916م [جمادى أول 1334هـ] أبحرت السفينة لاما من كمران للاشتباك مع مدفعين جبليين على التل الواقع إلى الشمال من الصليف، وكل ما أطلقته 42 قذيفة، وعندئذ وصلت السفينة انتربرايز (Enterprise) وأطلقت سبع قذائف، وهناك تقارير متعارضة بالنسبة لما حدث من تدمير: فقد ذكر القائد العسكري لكمران أن "النتائج لا يمكن تحديدها، ولكن يبدو أن التصويب كان محكماً"، بينما زعم القائد العام لجزر الهند الشرقية ومصر في تقريره إصابة مدفع واحد.

ذكر الوشلي هذه الحادثة لمحاولة الإنزال واحتلال الصليف وقوة المقاومة لها وفشلها وفرار الانجليز بعدها، فقال: "وفي يوم الأربعاء الثالث عشر من شهر صفر 1334هـ / 20 ديسمبر 1915م - أشرف بابور من بوابير الانجريز على قرية الصليف، وفيه جمع كثير من عسكرهم، وقصد إنزال العسكر الصليف، ورمى بالمدفع على من به من عسكر الدولة العثمانية؛ فقابلوهم بالمدفع من الصليف، ففر المركب هارباً إلى كمران بمن فيه، فتحرك قائم قام الزيدية ومعه نحو مائة نفر من القبائل إلى الصليف لنصرة من بها من العسكر لقلتهم، فرجعوا سالمين ولم يلقوا حرباً".

أورد الوشلي، بحكم قربه من الصليف، مجموعة من الأحداث غير مذكورة في التقارير البريطانية، ولكنها تعبر في مجملها عن مدى تأثير الحرب على الحياة العامة في اليمن، وخاصة تهامة اليمن، وضرب الحصار الشامل من قبل الحلفاء بقيادة بريطانيا على السواحل اليمنية حتى انهارت الحياة، وعمّت المجاعة، وانتشرت الأمراض في المجتمع، وحصلت هجرات جماعية من هذه الأوضاع، فقال الوشلي: "وفي هذا العام – 1334هـ / 1915 – 1916م- انقطع الإمداد للعساكر العثمانية من الطريق البحرية بأسباب الحروب الواقعة بينهم وبين الانجريز، فضربوا الحصار على هذا البحر اليمني، ومنعوا بوابير الدولة العثمانية من الوصول إلى اليمن، وقطعوا التلغراف الممدود من القسطنطينية إلى اليمن، فانقطعت بذلك الأخبار الدولية غيرها، والبضائع التي كانت تصل إلى السواحل اليمنية من الهند، والشام ومصر، وغيرها"، واشتداد الحصار ولجوء الناس إلى أكل أوراق الأشجار والنباتات من شدة الجوع وانتشار المجاعة.


حدث هجوم على قرى الصليف تمهيداً لاحتلال الصليف ومنها القرية التي هي إحدى قراها فقال: "وفيه – يوم الأربعاء غرة جمادى الاولى 1335هـ / 22 فبراير 1917م - هجم بابور من بوابير الانجريز على الخوبة والقرية وأطلق عليهم الرمي بالمدفع فأخرب من القرية أربعة بيوت حجر"، ثم تبعه بعد شهرين هجوم بريطاني آخر: "وفي جمادى الثانية – 1335هـ / مارس – أبريل 1917م - هجم بابور للإنجريز أيضاً على القرية... فأطلق عليها المدافع وكسر سفينتين وأحرق سفينة وهدّم من القرية بيوتاً"، ثم محاولة إنزال عسكري بريطاني في قرية ابن عباس المقابلة للصليف وفشل ذلك وإحراق القرية في السابع عشر من رجب 1335هـ / 8 مايو 1917م.