رغم سنين العداء، لا توجد رغبة عند دول المنطقة في تغيير النظام الإيراني.
أولاً، ربما لأنها لا تستطيع، ولو حاولت ستبقى الكلفة عالية على الجميع.
وثانياً، لأن التدخل الخارجي يفتح باب الحروب والفوضى، والجميع في غنى عنها.
إنما هذا التفكير العقلاني ليس من خصائص السياسة الإيرانية.
فمنذ أول يوم اعتلى الحكم مؤسس إيران الإسلامية، آية الله الخميني، عام 1979، جاهر بنيته تصدير الثورة إلى دول المنطقة، أي تغيير أنظمتها بالحروب والفتن، ولا تزال تمارس وعودها الثورية.
وعلى الرغم من هذا، نستطيع التعايش مع جارنا صاحب النظام السيئ المتربص بنا، شرط أن ننام بعين واحدة مفتوحة، متطلعين للأفضل، ومستعدين للأسوأ.
وفي العالم حالات مشابهة لنا.. كوريا الجنوبية، دولة مسالمة مزدهرة وناجحة تجاور كوريا الشمالية، دولة شريرة وبائسة ومغلقة.
لنحو سبعين عاماً تعايش البلدان في حالة من اللاحرب واللاسلم. تفصل بينهما منطقة منزوعة السلاح، وخلفها يتواجه جيشان مدججان بكل أنواع الأسلحة وأصابعهم على الزناد.
سيول تعيش حالة تأهب مستمرة، بالملاجئ والخدمة العسكرية، ومستعدة لقطع الجسور من على النهر.
ولم يمنع ذلك أن يعيش سكانها حياتهم في استقرار وازدهار.
كوريا الجنوبية تشبه دول الخليج معظم اهتماماتها تنموية.
وكوريا الشمالية مثل إيران، نظام عسكري مؤدلج بعبادة الفرد ينفق كل مقدّراته على تغذية حاجاته العسكرية، وعينه على جارته الناجحة والثرية.
نظام طهران الذي يخيف دول المنطقة يخاف من مواطنيه.. الداخل هو كعب أخيل.
أصبح النظام متهالكاً، يعيش في صندوق قديم عاجز عن الخروج منه.
وقد يلقى مصير دول انهارت مثل الاتحاد السوفياتي، الذي لم تقضِ عليه الصواريخ النووية الأميركية بل انهار من وراء سوء الإدارة الحكومية وضعف اقتصاده.
في طهران، يقود الدولة رجال الدين من مفاصلها إلى تفاصيلها، من الاقتصاد إلى الخدمات إلى السياسة والجيش والمخابرات.
ولهذا الوضع الداخلي في تراجع لم ينقطع.
ولا تخطئ العين اتساع دائرة الرفض التي كانت محصورة في الماضي بالمعارضة الوطنية الخارجية والأقليات الانفصالية.
فالاحتجاجات الخضراء في عام 2009 أوقد نيرانَها رجال دين إصلاحيون من داخل النظام، وعمت الاحتجاجات كل القطاعات، التعليم والصحة والنقل.
وامتدت من الحواضر إلى الأرياف التي كانت تعتبر الأكثر ولاءً.
وحديثاً، انضم إلى المحتجين أقرب الفئات إلى النظام، القضاة ومسؤولو السجون.. احتجاجاتهم معيشية ومادية وسياسية.
فشلت الحكومات المتعاقبة في إدارة موارد البلاد، وفشلها هذا يحفزها على العدوان والحروب طمعاً في الموارد الخارجية.
فالنظام في حالة جوع مستمرة لمزيد من المصادر، وطموحاته لن تكفيها موارده النفطية حتى لو عاد الإنتاج إلى أقصى طاقته.
في يوليو (تموز) 2018، قال خامنئي إنه يتطلع لأن يبلغ عدد السكان 150 مليون نسمة!
كان سكان البلاد عند وصول الخميني للحكم 38 مليون نسمة وفي عام 2030 سيبلغون 84 مليوناً.
ويقول خامنئي، قرأت في مكان ما يقولون، «سيدي، لا حرج في شيخوخة السكان».. كيف لا توجد مشكلة؟ إن أحد أكثر الأصول المربحة للبلد هم الشباب.
وإنه «لا يتم الإنجاب بالأقوال فقط».
خامنئي الذي لا يفهم أبجديات الحساب والاقتصاد لا يستطيع اليوم توفير ما يكفي من الخبز للناس وخمسة وخمسون في المائة من سكانه تحت خط الفقر.
حتى لو رفعت العقوبات لن تفلح في إصلاح الوضع، لأن النظام ديني عسكري يعادي فكرة الانفتاح الاجتماعي الاقتصادي.
وبسبب فشله في الداخل ستستمر أزماته.
ومثل بقية الأنظمة الشمولية العاجزة، استثماره في الحروب الخارجية لتمويل ميزانيته.
وسبق أن وعد المسؤولون أنهم سيستردون كل تومان أنفقوه في سوريا بعشرة.
وسواء كانت استثماراتهم العسكرية مربحة أم لا فإن السيطرة وتهديد الجيران سيزداد مع الوقت.
*نقلا عن صحيفة: "الشرق الأوسط"