محمد عبده الشجاع
المشاورات قبل النصر.. هل سيُكتب لها النجاح
المشاورات بدون نصر حقيقي على أرض الواقع، باعث أساسي لهزائم لاحقة، وإطالة حتمية لأمد الانتكاسات السياسية والاقتصادية؛ التي أصبحت عقدة في عدم القدرة على بناء نماذج بَناءة ومستدامة على كافة الأصعدة في المناطق المحررة.
ليس الأمر تشاؤميا بقدر ما هو واقع ومُعطى تعكسه الأحداث اليومية، فبعد مدة وجيزة سوف نكتشف أننا أضعنا من بين أيدينا قرارات مهمة وحاسمة. إضافة إلى تشتيت جهود ومبالغ مالية طائلة تم رصدها للاعمار والتنمية، غير أنها تذهب أدراج المشاريع الشكلية وبوابات عريضة دشنها الفساد منذ وقت مبكر.
سئم الجيران من الحرب، سئموا من قاداتها أيضا. أرادوا التخلص من مسؤولية تاريخية وإنسانية، لكنهم يفتقدون إلى خيوط كثيرة؛ أهمها إبراز قيادة جديرة بالأحداث والمرحلة، وتهيئة الأجواء لحوار بناء على قاعدة نكون أو لا نكون.
الأمر جد. فإيران تعبث اليوم في المنطقة وتجاهر بذلك، عبر بوابة؛ يمكنها أن تُحدث في المحيط الخليجي زلزالا قويا، هي اليمن.
السلاح الثقيل والتقليدي (التقني) الذي تستخدمه اليوم المليشيات كارثي، إضافة إلى تهديد الملاحة الدولية، طالما كانت محافظة الحديدة في أيديهم ولا وجود لأي معنى للاتفاقيات التي تمت من ضمنها (استكهولم).
لا بد من عمل إعادة تأهيل للمشروع السياسي والاجتماعي؛ يسمح لليمنيين أولا بأن يتنفسوا الحرية التي كانوا قد ادمنوها لا أكثر، من داخل بلدهم، لأن المسار اليوم يقود البلد إلى تهشيم صخرة النسيج الاجتماعي، بل إعادة قولبة الحياة كما لو أنها طيف واحد.
تلك هي المأساة التي لها أبعادها، خاصة وأن الأمر يمس، ليس المناطق الوسطى في الشمال، وإنما العمق القبلي؛ الذي تم اختطافه في لحظة فارقة، وسط ضجيج الصراعات والحماس، وشعارات الموت الزائفة.
نحن أمام مفترق طرق، لا بد أن نكون؛ ولو بصورة مؤقتة على الأقل من أجل أن نتجاوز ما نحن فيه من شتات وإقصاء وتهميش كيانات، وقيم وأعراف وقوانين ورؤى ومشاريع حية، وحتى تدمير البنى التحتية العيانية.
ثمة مشاغل كثيرة تسعى إليها مليشيا الحوثي، منها؛ لُهاثها بشكل دائم ومفضوح وراء تغيير ديموغرافي وحضاري واجتماعي، وهذا ما تقوم به اليوم، وهو الأخطر من كل المشاريع التي تقدمها ذراع إيران، وهو المشروع الأسوأ في المنطقة والخليج.
أعتقد وكثر من المتطلعين أن اليمن لا يستحق كل هذا، ليس من باب العصبية وإنما من باب أن هذا البلد كبيرٌ بتاريخهِ وشموخِ انسانهِ وبَذلهِ وعطائهِ وشهامتهِ، نسائه ورجاله.
علينا أن نعود قليلًا إلى الوراء ونلقي نظرة تجاه السلطة التي كانت قائمة، كنا قد قطعنا مشوارا كبيرا في بناء علاقات وتجاوزنا صراع الحدود، من واقع كوكبة من رجال الدولة بعيدا عن بؤر الفساد، وكانت البروتوكولات تشهد زخما وحضورًا غير عادي.
كنا نعقد الصفقات الاقتصادية، ونخطط لسن قوانين جديدة ومشاريع وإن بعشوائية قليلا، كنا ننافس الآخرين في إظهار الأجمل من كل شيء، وإبراز المشاريع الذاتية والجماعية؛ في سعي حثيث كي نصبح رقمًا، وكان تماسك بنية الدولة يستحق أن نحافظ عليه وأن نبني، لكن حدث العكس؛ ذهبنا نهدم الموجود الذي لن يعود.