منذ إعلان تشكيل المجلس الرئاسي بقيادة الدكتور رشاد العليمي كثر الحديث عن هذا الكيان السياسي الجديد بين مؤيد ومعارض وبين ساخر ومتفائل تجاه المجلس الرئاسي وحتى عن أشخاصه، وهذا موديل يمني معروف في التعاطي مع كل الأحداث والمستجدات، لا سيما وأن العمل الإجرائي في اختيار أعضاء مؤتمر الرياض لم يكن في مستوى الحدث السياسي أو لم يأت بمن يجب أن يكونوا موجودين بالضرورة داخل قاعة المؤتمر، ناهيك عن عدم دعوة الأحزاب السياسية اليمنية للمشاركة في مؤتمر الرياض بصفتها مكونات سياسية فاعلة في الوسط الشعبي داخل اليمن، ما يستلزم حضورها في مثل هذا المؤتمر الذي انعقد في مرحلة حرجة، على غرار حضورها كمكونات سياسية فاعلة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي عقد في العاصمة صنعاء عقب ثورة 11 فبراير.
كثير من الكتابات الناقدة تجاه مؤتمر الرياض صدرت عن أشخاص اعرف بعضهم كانوا في الأساس طامحين في حضور هذا المؤتمر، ما يعني أن كتاباتهم النقدية تأتي من باب ردة الفعل لعدم حضورهم ليس إلا، لكن البعض ينتقد إعلان تشكيل المجلس الرئاسي لعدم مشروعية الإجراءات القانونية والسياسية التي شكلته وقدمته على المستوى السياسي كمُخرج من مخرجات مؤتمر الرياض.
نظرياً في هذا الأخير شيء من وجاهة القول الذي يستدعي الوقوف عليه، لكن سؤال المشروعية الذي يتمسك به البعض تجاه المجلس الرئاسي ويستدعي الوقوف عليه، يطرح علينا سؤالا أكثر تعقيداً يقول كيف يمكن لنا نحن اليمنيين الواقفين في الخندق المقابل للحركة الحوثية أن ننتج كيانا سياسيا أو تغييرا رئاسيا جديدا قادرا عمليا على احتواء كل ما تشكل على الأرض من مراكز قوى ومشاريع صغيرة في ظل إخفاقات سلطة الشرعية نفسها خلال إدارتها معركة السياسة والحرب العسكرية في وجه تحالف الانقلاب واستعادة الدولة؟
في كل الأحوال طرح سؤال المشروعية على الطاولة يجب أن لا يخضع في تناوله للانتقائية السياسية، ما يعني أن مؤسسات سلطة الشرعية قبل الإعلان الرئاسي سوف تكون هي الأخرى بمنطق المشروعية القانونية والدستورية ليست شرعية فالرئيس عبدربه ونائبه انتهت سلطتهما القانونية من سنين وكذلك مجلس النواب، وحتى حكومة معين على اعتبار أنها مكلفة من قبل رئيس غير شرعي.
قد يرد قائل من المعترضين على المجلس الرئاسي في معرض رده على ما أثير من أسئلة تجاه سلطة الشرعية بالقول إنه لا عبرة في قياس الفترة الزمنية مع سلطة عبد ربه، كون الانقلاب عطل المسار السياسي في اليمن، وهو المسار الذي كان يفترض أن يشهد انتخابات رئاسية ونيابية وقيام دولة اتحادية، بل إن الانقلاب العسكري نقل البلاد إلى وضع حرب على المستوى الوطني، بين شرعية وانقلاب.
ومع نجاعة مثل هذا الرد نقول إذن يجب أن نتفق على أن المشروعية الآن هي سياسية بالدرجة الأولى وهي مرتبطة بوجود الانقلاب من عدمه، بمعنى آخر اسقاط زمنية الدستور والقانون وحتى المبادراة الخليجية على مؤسسات الشرعية يتطلب في المقام الأول العمل على إسقاط الانقلاب، وهذا بحد ذاته يتطلب وحدة القرار والقيادة والتوجه السياسي في المعسكر المقابل لمعسكر الانقلاب، وهو ما تحقق نظرياً بعد سبع سنوات في تشكيل المجلس الرئاسي لكن تحقيق وحدة القرار والقيادة والتوجه السياسي عملياً يحتاج للكثير مما يجب أن يكون اليوم موضوع أسئلة مطروحة على مجلس التعاون الخليجي بدرجة رئيسية، بل موضوع كتابة ونقد وإرشاد بمسؤولية سياسية ووطنية تجاه المجلس الرئاسي وليس الوقوف عند جدلية الإجراءات التي حدثت في الرياض.
قد يقول البعض إن مشكل الإجراءات في مؤتمر الرياض ونتائجها السياسية (المجلس الرئاسي) تكمن بأنها تتعارض مع مبدأ السيادة الوطنية، أي أنها فرضت فرضا من قبل التحالف، لكن النظر لما حدث من زاوية أخرى قد لا يبدو تجاوزا لمبدأ السيادة بقدر ما يعني فرض حلول عملية لاحتواء العبث والانقسام الذي يجري داخل المعسكر المقابل لمعسكر الحركة الحوثية، لكن نجاعة مثل هذه الحلول المفروضة على الداخل اليمني يجب أن تأتي في سياق قناعة التحالف السعودي الإماراتي بأن خلق حالة الانقسام السياسي والعسكري الذي كان هو شريكا في صنعه بطريقة أو بأخرى خلال السنوات الماضية قد صب في مصلحة صمود الحركة الحوثية بل مكنها من أن تتحول بدعم إقليمي إلى قوة تهاجم العمق السعودي والامارتي وهذا هو المرجح من تحرك السعودية في فرض مثل هذه الحلول التي حرصت أن تكون برعاية مجلس التعاون الخليجي، لهذا نجد المجلس الرئاسي يعكس حقيقة ميازين القوى العسكريه الفاعلة على الأرض والمتصارعة في نفس الوقت، ما يعني أن ما حدث مقبول من زاوية العمل على توحيد القرار والقيادة والتوجه السياسي بشرط أن يكون بدافع المراجعات النقدية من قبل السعودية لما تم خلقه في السنوات الماضية حتى لو لم يتم التصريح بذلك، إلا أن مقياس ذلك هو تعاطي المجلس الرئاسي في قادم الأيام مع أفق المستقبل الذي يتطلب في المقام الأول القضاء على واقع اللادولة في مناطق الشرعية والإصلاح الاقتصادي وإصلاح مؤسسات الجيش والأمن والعمل على اخضاع كل التشكيلات العسكرية لقيادة واحدة، بهدف خوض معركة المواجهة مع الحركة الحوثية.
في اعتقادي هذا الذي يجب أن نفكر فيه ونكتب فيه تجاه المجلس الرئاسي ونسأل الأشقاء في التحالف هل فعلاً وصلوا إلى هذه القناعة ولو بدافع الحرص على أمن بلدانهم؟
من هنا تبدو الحاجة لطرح سؤال مشروعية المجلس الرئاسي، طالما ونحن بصدد مشروعية سياسية وهو طرح سوف ينعكس بطبيعة الحال على مشروعية التحالف وتدخله في اليمن.