فهمي محمد
القيمة التاريخية والوطنية لثورة ال26 من سبتمبر
صحيح أن ثورة ال26 من سبتمبر 1962م لم تعف مستقبل الأجيال القادمة من مشقة التفكير في الثورة مجدداً، لكنها وضعت اليمنيين ولأول مرة في تاريخهم السياسي والاجتماعي أمام فكرة الثورة والجمهورية والدولة والديمقراطية.
فالوعي المجتمعي تجاه المسألة السياسية والاجتماعية في اليمن وإن كان حتى اليوم لم يخض معركة الانتصار لسلطة أهل الفكر إلا أن هذا الوعي المجتمعي وجد نفسه مع ثورة سبتمبر أمام فكرة التغيير على أساس المشروع السياسي الوطني.
ما يعني من جهة أولى إذا كانت أهداف ثورة سبتمبر قد شكلت يومها المشروع السياسي والاجتماعي للثورة ومحتوى النظام الجمهوري في نفس الوقت، فإنها من جهة ثانية شكلت وفق جدلية المستقبل والماضي في اليمن، هوية سياسية وطنية حداثية تجاوزت هوية السلطة الحاكمة تاريخياً في اليمن.
من واقع هذه المعطيات السياسية والاجتماعية تبرز نجاعة القيمة التاريخية والوطنية لثورة ال26 من سبتمبر 1962م في شمال اليمن، وهي القيمة التي تحرص القوى التقليدية بمختلف أشكالها وتوجهاتها الماضوية على عزلها ثقافياً ووجدانياً عن وعي الأجيال القادمة في اليمن.
كما هو حال الحركة الحوثية التي أسقطت من قاموسها السياسي والاحتفالي الرمزية الوطنية لثورة الـ26 من سبتمبر {ثورة الجمهورية} منذ ثماني سنوات في مناطق سيطرتها العسكرية بهدف إسقاط رمزيتها التاريخية والوطنية من وعي الأجيال القادمة (ذلك على سبيل المثال وليس الحصر) بحيث يتم اليوم استبدال الرمزية التاريخية والوطنية لثورة الـ26 من سبتمبر 1926م داخل صنعاء (عاصمة الجمهورية التي رفع من داخلها عبدالرقيب عبد الوهاب ورفاقه شعار الجمهورية أو الموت) برمزية الانقلاب الذي حدث في الـ21 من سبتمبر 2014م، ضد محتوى الجمهورية {مخرجات الحوار الوطني الشامل والشرعية الوطنية التوافقية}.
ما يعني تحويل كارثة الانقلاب السياسي والايديولوجي "السلالي" على مشروع الدولة الوطنية الديمقراطية في ظل الجمهورية اليمنية إلى ثورة شعبية يتم تسويقها وجدانياً في وعي هذا الجيل وربما الأجيال القادمة في حال أن ظلت خاضعة لسيطرة الحركة الحوثية.
صحيح كما قلنا في بداية المقالة إن ثورة الـ26 من سبتمبر 1962 وإن كانت لم تتمكن من إعفاء الأجيال القادمة من مشقة التفكير في الثورة، إلا أن ما أصبح منذ ستة عقود في حكم الثابت السياسي والتاريخي الذي لا يقبل التحول أو التفريط، وأن كل حدث ثوري في اليمن قدم نفسه سياسياً واجتماعياً بكونه امتدادا لثورة ال26 من سبتمبر 1962م، أو اعترف أن هذه الأخيرة هي صاحبة الفضل الأول في قيامه.
كما قال المناضل علي عنتر في احتفالية ثورة 14 أكتوبر 1963 في جنوب اليمن: إن الفضل يعود إلى أولئك الأبطال الذين فجروا ثورة ال26 من سبتمبر في شمال اليمن.
وإذا كان ما قيل في حق ثورة أكتوبر على سبيل المثال، فإنه على سبيل الحصر، نجد ثورة التصحيح 1974م وحدث الوحدة اليمنية 1990م وثورة 11 فبراير 2011م كل هذه الأحداث تحركت في ظل ثابت الانتماء السياسي والتاريخي لثورة ال26 من سبتمبر 1962م، أو أنها من جهة أخرى لم تتجرأ على إسقاط الرمزية التاريخية والوطنية لثورة ال26، الأمر الذي يجعل منها أحداثا ثورية تستهدف في المقام الأول إشكالية محتوى الجمهورية.
بمعنى آخر يستهدف مشروعها الثوري بناء الدولة الوطنية الديمقراطية في ظل النظام السياسي الجمهوري الذي صنعته ثورة ال26 من سبتمبر 1962م.
وهذا صلب ما قصدناه سابقاً بأن ثورة سبتمبر وإن لم تعف الأجيال القادمة من مشقة التفكير في الثورة، إلا أنها ظلت على الدوام هي الحدث التاريخي والوطني الذي وضع اليمنيين أمام فكرة الثورة والجمهورية والدولة والديمقراطية.
وإذا كان الحال كذلك مع مسار كل الأحداث الثورية في اليمن سواء في ظل التشطير السياسي بين شمال اليمن وجنوبه، أو في ظل الوحدة اليمنية بين عدن وصنعاء، إلا أن انقلاب الـ21 من سبتمبر 2014 الذي يقدم نفسه اليوم على شاكلة ثورة شعبية، هو الحدث الوحيد الذي تجرأ على إسقاط مسألة الانتماء إلى ثورة ال26 من سبتمبر قولا وفعلا، كما هو واقع حال وإعلام الحركة الحوثية الذي يحتفل اليوم في عاصمة الجمهورية ب21 على حساب 26 من سبتمبر، ما يعني في النتيجة النهائية أن انقلاب الحركة الحوثية لم يعد انقلابا على مشروع الدولة الوطنية الديمقراطية الذي يشكل محتوى النظام الجمهوري الاتحادي في اليمن، بل انقلاب تاريخي ماضوي على فكرة الجمهورية التي تشكل بحد ذاتها معنى القيمة التاريخية والوطنية لثورة ال26 من سبتمبر.
وعلى هذا الأساس، تتجلى حجم الكارثة الكبرى على مستقبل الأجيال في ظل انتصار مشروع الحركة الحوثية في اليمن.