د. صادق القاضي
صادق الأحمر.. رحيل وشجون ومفارقات.!
رحيل مؤسف للشيخ "صادق الأحمر". مؤسف إنسانيا، بقدر مأساوية حياة هذا الرجل في السنوات الأخيرة من عمره، كعزيز قومٍ ذل. فُرضت عليه الإقامة الجبرية في داره، مطوقا بالتهميش واللامبالاة، وربما السخرية والتهكم من سوء مآلات رجل يُفترض أنه شيخ أكبر قبيلة يمنية "حاشد"، وبالتالي شيخ مشايخ اليمن.
ينفتح أفق المناسبة على تداعيات تاريخية مفعمة بالشجون والمفارقات، أوسع من شخصية الفقيد، إلى تاريخ أسرته، هذه الأسرة الشهيرة ذات الطموح والنفوذ السياسي منذ العهد الإمامي، جعلها النظام الجمهوري، للأسف. أحد أهم أركانه منذ ثورة 1962م. مرورا بأحداث 2011م. عندما رأت السفينة تغرق. فراهنت بكل شيء.. ثم خسرت كل شيء!.
كان العصر الذهبي. لهذه الأسرة هو في عهد الرئيس صالح بالذات، متمسكا بشراكة سابقة، ومتناغما مع الشيخ "عبد الله بن حسين الأحمر"، الذي كان رحيله عام 2007م، هو أكبر خسارة منيت بها هذه الأسرة، وبداية نهايتها، لقد قادها طويلا بحكمته وحنكته المعهودة، وبرحيله بدأت المراهقات والنزوات والمشاريع الصغيرة في قيادتها إلى الضياع.
لم يكتفِ "حميد الأحمر" بما اكتفى به والده من نصيب في الكعكة الجمهورية، وهو نصيب أُعطي للقبيلة بغير حق منذ عهد الرئيس السلال، لكن الولد طمع بالكعكة كاملة، وسرعان ما ظهر في وسائل الإعلام، يعلن فض تلك الشراكة القديمة، مستندا -كما صرح من خلال قناة الجزيرة- على قبيلة "حاشد" التي بات يقودها أخوه "صادق الأحمر".
صادق الأحمر شخصية قبلية تقليدية غير مؤدلجة. محسوبة على المؤتمر والإصلاح، عاش في الظل في عهد أبيه الراحل، ولم يتألق بعد رحيله، وهو كشخص لا يخلو من الطيبة، كما لا يخلو من الانتهازية. أحاديثه وتصريحاته مرتجلة عفوية تتلاءم مع شخصيته، ولا تنقصها الطرافة والشطحات.
خلال أحداث 2011م التي صدعت أركان النظام، ومهدت لاجتياح الحوثيين لصنعاء 2015م، انضم صادق الأحمر، كإخوته. إلى الساحات الثورية. ورحبت به تلك الحشود الثورية، فاشتكى لها من التفلت والفوضى الأمنية في صنعاء في ظل النظام السابق. وقال يومها ما معناه أنه يتمنى أن يمشي في الشارع لوحده بلا حراسة.!
لاحقاً توعد الرئيس صالح بترحيله من اليمن حافي القدمين، وأقسم بالله من على قناة سهيل أن من يحكم اليمن حينها هو السفير الأمريكي، كما قال للرئيس هادي ذات زيارة غير مرحب بها، أنه صنيعة الثورة، وأن "حاشد" هي التي تصنع الرؤساء، وفي مناقشته لبعض القضايا اليمنية لوّح أمام الجنوبيين مهددا بجيش من مليوني جندي.. ثم.. أمام الحوثي سقطت حاشد بدون مقاومة من أي نوع.. وصاح الشيخ: "أنا بوجه السيد".!
يحسب له عند اجتياح الحوثيين لصنعاء أنه رفض أن يغادر البلد، لكنه أعلن الحياد السياسي، أو بالأحرى "البيات الحيوي"، ويحسب له في ذكرى لثورة 26 سبتمبر تصريحه بأن تلك الثورة "هي باكورة الثورات اليمنية وعيد كل اليمنيين"، لكنه قبل خمسة أيام، وفي ذكرى اجتياح الحوثيين صنعاء 21 سبتمبر. خرج واحتفل مع الحوثيين بالمناسبة، وعلى كتفيه شال أخضر يحمل شعار الحوثيين وصرختهم.!
أشاع بعضهم يومها أنه غير اسمه من "صادق الأحمر" إلى "صادق الأخضر"، لكن الواقع أن الجماعة الحوثية سلبته كل شيء، وأدخلته في موت سريري، كان موكب حراسة هذا الرجل. سابقا. كمواكب أخوته، من أكبر المواكب المدججة في اليمن، سُئل مرة عن سبب هذه الحراسة المبالغ بها حوله وحول منزله القريب جدًا من وزارة الداخلية، فقال إنه هو الذي يحمي الداخلية لا العكس.. وما هي إلا سنوات حتى اجتاح الحوثي صنعاء. وحقق له أمنيته الحمقاء الآنفة.. فصار وحيدا يتجول ويبات وينام بلا حراسة.