منذ فترة طويلة عمدت مليشيا الحوثي، الذراع الإيرانية في اليمن، إلى تغييب وعي الكثير من اليمنيين واليمنييات؛ عبر مشروع ديني عقائدي، كانت تعي جيدًا أنه الأنجع والأسرع للسيطرة على الأفكار والعقول وإزاحة التراكمات الإيجابية والمكاسب الفردية والجماعية التي تكونت خلال للعقود الماضية.
جعلت من صعدة محافظة مغلقة أمام التنوع رغم المحاولات الخجولة للسلطات المتعاقبة تذويب الفوارق بمسمياتها المختلفة، وتثبيت المؤسسات للحد من الانحراف والذهاب خارج إطار النظم والقوانين، وقد نجحت إلى حد ما، غير أن بقاء بذور الفتنة في النمو، ظلت تغذيها مخابرات إقليمية تارة، والصراعات السياسية بصورة غير مباشرة بين قوى المعارضة والدولة تارة أخرى.
كان يتم تحسين تلك البذور ومنحها صلاحية الاستمرار في أجواء مليئة بالحرية والاختلاف والتنوع والمساحات الواسعة من الديمقراطية، فكانت بمثابة قنابل سامة سرعان ما تحولت إلى ظواهر سيئة خلقت أجواء عقائدية تم عبرها استدعاء الخلافات التاريخية والصراع الأبرز الذي كان بين العباسيين من جهة والأمويين من جهة أخرى، والصراع على الخلافة عقب وفاة النبي محمد، صلى الله عليه وسلم.
ونحن بصدد الحديث عن صعدة سنبدأ من حيث انتهت قصة مقتل أحد أبنائها قبل أيام شاب في مقتبل العمر من مديرية سحار اسمه إبراهيم الثماني، تم اعتقاله من قبل أحد المشرفين وتعذيبه على مدار 24 ساعة حتى فارق الحياة.
يقول شهود عيان وبعض أقاربه ممن عاينوا الجثمان إنه تعرض للضرب المبرح وقلع الأظافر والتقييد وصنوف من التعذيب غير المبرر والذي لا يصدر إلا من جماعة أخلت بموازين الحياة والعلاقات الاجتماعية منذ سيطرتها على البلد مطلع العام 2015م.
أخذوه أولياء الله من محله إلى السجن ليتعرض بعدها لأنواع العذاب من جلد وتقييد وقلع أظافر وتفاصيل كثيرة يعجز حصرها حتى فارق الحياة بداخل السجن، في مشهد مأساوي لا يحدث أبدا إلا من أفراد وجماعة فقدت كل مقومات الحياة.
ثم خرجت البروبجندا الحوثية ومن لف لفها لتقول بأن ما حدث تصرفات فردية وأن السيد عبد الملك قد أكد أن هؤلاء لا يمثلونه وأن هناك توجيهات بمتابعة القضية واتخاذ الإجراءات.
هذا الحديث يوصل رسالة على أن ما حدث مع هذا الشاب هي حالة أولى ونادرة وكأن عشرات ممن قتلوا في المعتقلات وممن ما زالوا في المعتقل من سبع سنوات أمر غير حقيقي.
حديث سامج يعكس الصورة الهزيلة والمسرحية التي تتعامل بها المليشيا وتقدم مع الناس والمجتمع الدولي اللذين يعرفان كل شيء من سجون سرية وانتهاك بحق النساء والأطفال من قبل أجهزة أمنية مخصصة للتنكيل والترهيب والتعذيب.
إضافة إلى عملية التجويع الممنهجة وهي أمور متكاملة جميعها يصب في خانة واحدة هي أننا أمام سلطة قمعية، تنفذ أجندة خارجية من أجل تخادم مشروع عقائدي سياسي لا يخدم اليمن بشيء؛ بقدر ما يصبح ورقة سياسية بيد إيران، من أجل أن تبتز به المجتمع الدولي وبقية دول الإقليم في إطار صراع طويل لا يمكن أن ينتهي على المدى المنظور وسيظل بسببه اليمنيون يدفعون الفاتورة باهظة.
بالعودة إلى صعدة والشاب الذي قتل تحت التعذيب، فمن ضمن التوجيهات التي أدلى بها زعيم العصابة أن ما حدث يجب أن يكون آخر مرة وأن لا يتكرر، وعدم إعطاء فرصة للمرتزقة الذين يعملون مع العدوان وعدم الخوض في الحديث عن مثل هذه القضايا لأنها تضر بالصف الوطني -الحوثي- الصعداوي، ضررا كبيرا.