د. صادق القاضي
"الانفصال".. اللعنة التي قد تصبح ضرورة!
"الوحدة اليمنية عظيمة". كإنجاز سياسي وجودي مصيري.. هو الأعظم في تاريخ اليمن على الإطلاق، وكتلبية لطموحات ومطالب الشعب اليمني، والنخب اليمنية، في الشطرين السابقين، منذ بداية التاريخ الحديث.
"الانفصال" بهذا المعنى. سيكون ردّة سلبية بنفس العمق والاتساع والأبعاد الشاملة.. وإن كانت القضية بحاجة لنوع من التروي والاستبصار في الظروف والدوافع والمنطلقات والحيثيات التي قد تكون قاهرة.
من البديهي، في ظل الظروف اليمنية الراهنة، أن الأمل الوحيد لبقاء الجنوب ضمن دولة الوحدة، هو استعادة الشمال من الجماعة الحوثية..
بيد أن حكومة الشرعية، كما يبدو، منذ ثماني سنوات حتى الآن على الأقل، عاجزة تماما عن هذه المهمة.
بل إن بعض العناصر الشمالية المحسوبة على "الشرعية"، وبدلا من استعادة الشمال، تحاول بلا هوادة السيطرة على الجنوب، وفي حين كان بعض الجنوبيين يحاربون في الشمال لاستعادة صنعاء والحديدة، كان بعض الشماليين يحاربون في الجنوب للسيطرة على أبين وعدن.!
الجنوب -منذ بداية الحرب وحتى اليوم- بمثابة قاعدة لاستعادة الشمال، وقدم في سبيلها الكثير من التضحيات من الدماء والأرواح، من نهم إلى مأرب، إلى الساحل الغربي.. وما زالت التضحيات مستمرة.
لكن لكل شيء حدود.. وفي حال فشلت هذه المهمة "استعادة الشمال"، تماماً ووصلت الأمور إلى طريق مسدود.. سيكون "الانفصال" اتجاها إجباريا. فمن غير المعقول مطالبة الجنوبيين بأحد خيارين:
• إما تسليم بلادهم للشرعية. كوطن بديل للشماليين الذين تركوا بلادهم للجماعة الحوثية.!
• أو تسليم بلادهم للجماعة الحوثية تحت شعار الحفاظ على الوحدة اليمنية.!
ما الذي يتبقى أمام الجنوب من خيارات.؟!
لا شيء.. غير الانفصال.
للانفصال بعض العناوين والممارسات الخاطئة التي يتجلى بها، ولا حاجة للإشارة هنا إلى أن "الهوية الجنوبية"، ورقة سياسية زائفة. تتذرع بتاريخ غير موضوعي للتعبير عن قضية قد تكون موضوعية.
نعم. القضية الجنوبية موضوعية، لأنها هكذا في واقع الحال، وكلما مر الوقت يصبح خيار الانفصال ضرورة صارمة، في ظل التعقيد والتشظي المتزايد الذي تنزلق فيه القضية اليمنية ككل. يوما بعد يوم.
الانفصال. وبغض النظر عن شرعيته وجدواه.. هو -في علاقته بالهوية والوحدة اليمنية- إجراء في الجانب السياسي، كما أن الوحدة اليمنية، هي في المحصلة مظهر سياسي لظاهرة اجتماعية ثقافية تاريخية جغرافية.. عميقة راسخة اسمها "الوحدة الوطنية". في إطار "الهوية اليمنية" الجامعة.
هذه "الوحدة الوطنية" كانت متحققة قبل "الوحدة السياسية" "1990م"، ولأنها شيء وجودي مصيري يتعلق بالوعي والوجدان الجمعي للشعب اليمني.. ستظل متحققة في حال تم "الانفصال". في أسوأ الأحوال.