د. صادق القاضي
المقاومة اليمنية العظيمة.. خاصةً في مناطق السيطرة الحوثية
"ما أسهل الحرب على المتفرجين". هذه الحكمة القديمة الخالدة تجد نموذجها الأكثر تأكيدا في كثيرٍ من قيادات وكوادر المقاومة اليمنية في الخارج: الرياض والقاهرة وباريس، وبشكل خاص قطر وإسطنبول ولندن وبرلين..
عندما اجتاح الحوثي اليمن. لم يفكر كثير من هؤلاء حتى برفع راية المقاومة السلمية ضده، بل تركوا له الجمل بما حمل، ومن هناك. من منافيهم البعيدة الرغيدة يقومون بدعوة غيرهم لرفع راية المقاومة المسلحة.
قد يجوز هذا لبعض القيادات السياسية، والخبرات الفنية، والقيادات الاجتماعية الكهلة، لكنه لا يجوز للقيادات والكوادر الشابة، القادرة على العودة والالتحاق بمشروع المقاومة على أيٍ من الجبهات القتالية المفتوحة.
أمّا ما لا يجوز على الإطلاق فهو الانتقاص من أبناء المحافظات اليمنية غير المحررة: إب أو عمران، أو صعدة. أو ذمار.. ووصفها بالخنوع والانبطاح والجبن.. فقط لأنها لم تنتفض وتثور وتعلن المقاومة المسلحة ضد الجماعة الحوثية.!
وهذا للأسف ديدن بعض أبواق المقاومة المنعمة في الخارج. كثيرٌ منهم هم أصلا من أبناء هذه المناطق، وأتباع لقيادات وجهات كل ما تفعله في الخارج هو الاستثمارات ومراكمة العقارات والعملات الصعبة.. وأخيرا المزايدة على المقاومة في الداخل.
كما أن هذه القيادات والجهات مرتبطة بقوى إقليمية ودولية لا تقف حتى مع القضية اليمنية، ويديرون أجنداتها المشبوهة في اليمن. هؤلاء هم من تصح عليهم بحق صفات المرتزقة وتجار الحروب والأزمات.
في المقابل: مقاومة الداخل حتى في أسوأ حالاتها أقرب للشرف والنبل والقضية العادلة، وما داموا في جبهات وميادين المواجهة المباشرة مع الجماعة الحوثية، لا يجوز لأحد أن يتحدث باسمهم، أو يزايد بقضيتهم، أو يتاجر بتضحياتهم.
وكاستثناء تقتضيه الأمانة. فإن بعض قوى وفصائل المقاومة في بعض المناطق المحررة، وبسبب علاقتها بأجندات بعض فصائل المقاومة الانتهازية في الخارج، قدمت أسوأ نموذج مرعب وفاسد للمقاومة، لقد حولوا بعض المناطق المحررة إلى غابات من العنف والفوضى والإنفلات..
وهذا في الواقع هو السبب الأول والأهم في عدم انخراط المناطق اليمنية الأخرى في "المقاومة المسلحة"، التي رأوا فيها بديلا أكثر سوءا من العنجهية والعجرفة الحوثية، على الأقل من الناحية الأمنية، وقد استغل الحوثي وما يزال يستغل ببراعة هذه الثغرة القاتلة في مشروع المقاومة.
لكن هذا التوظيف المكشوف لم ينجح في جعل أبناء المناطق غير المحررة، أقل وعيا بأبعاد القضية اليمنية، وعلى العكس هم يصبحون بشكل متزايد أكثر خبرة وحنكة في مواجهة المشروع الحوثي، هذه المناطق، وبعيدا عن المزايدات المراهقة. تعاني وترفض وتثور وتقاوم بطريقتها، بل إن كثيرا من أنضج وأنزه وأنبل وأشجع معارضي الجماعة الحوثية هم في ومن هذه المناطق غير المحررة.
تحتاج القضية إلى نظرة شمولية عميقة متجردة تستوعب اختلاف الأوضاع، والإمكانات وتعدد وسائل المقاومة، ووضع هذه التباينات في الاعتبار. كونها تصب في المحصلة في إطار القضية اليمنية الكبيرة الواحدة، وفي كل حال:
الانتهازيون آفة الثورات، والمتفرجون آفة الحروب، والمزايدون آفة القضايا العادلة، وكل هذه النماذج السلبية وجدت في اليمن، منذ بداية ما يسمى ثورة 2011م، وهي التي أفسدت الثورة، ثم أفسدت المقاومة، ونالت من عدالة القضية اليمنية.