فهمي محمد

فهمي محمد

تابعنى على

أحزاب اليمن بين هلامية الوجود بالسلطة والغياب عن المشهد السياسي

Thursday 06 April 2023 الساعة 10:53 pm

لا أدري هل الحديث في هذه المقالة سوف يدور حول مفارقة هزلية وكارثية أم عن إشكالية "تراجيدية" أكثر من كونها ملهاة مضحكة وإن كانت لا تخلو من الملهاة خصوصاً حين يتعلق الأمر بمسؤولية العقل السياسي الحزبي وضرورة حضوره في منعطف تاريخي يحمل الكثير من علامات الاستفهام حول مستقبل الأجيال القادمة كما هو الحال في اليمن.

من الطبيعي أن لا توجد الأحزاب السياسية في بنية السلطة الحاكمة وقد لا تُمثل في مؤسسات السلطة بشكل يجعل منها صاحبة الكلمة أو صانعة القرار السياسي.

 بمعني آخر قد تكون الأحزاب السياسية حاضرة شكلياً في تقاسيم وجه السلطة وليس في توجهها تجاه الحاضر والمستقبل، وفي نفس الوقت قد يتم إقصاؤها من قبل السلطة الحاكمة في الظروف الطبيعية وغير الطبيعية، لكن من غير المقبول في أي ظروف كانت أن تختفي الأحزاب السياسية من المشهد السياسي أو أنها تسمح بمصادرة دورها الوظيفي والنضالي "سياسياً" و"جماهيرياً" من داخل المشهد السياسي -الوطني- ناهيك عن غيابها في ظروف هي أشد ما تكون مدعاةً لحضورها السياسي ودورها النضالي في سبيل خلق معادلة موضوعية وطنية تجبر الأطراف في الداخل والخارج على التعاطي مع شروط معادلاتها النضالية ومع ما تقدمه الأحزاب السياسية.

الأحزاب السياسية وحدها هي المكونات السياسية القائمة على التكتلات الجماهيرية العريضة صاحبة المصلحة العامة على امتداد الخارطة الوطنية، ولها حق الادعاء في مثل ذلك.

كما أنها بشكل أو بآخر تعبر عن تطلعات الشعب السياسي في أي بلد.

لهذا وذاك فإن الأحزاب السياسية تظل دائماً «في حال وعيها بذاتها» قادرة على إجبار الآخرين بأن يكونوا مستمعين جيدين لها، لكن حسن الاستماع الذي نتحدث عنه أو نقصده في هذه المقالة يتطلب شروطا:-

 في المقام الأول أن تكون الأحزاب السياسية حاضرة في المشهد السياسي ومؤثرة في مجرياته حتى وإن لم تكن موجودة في السلطة، وأن تكون في المقام الثاني لديها ما تفعله وما تقوله بلسان حال الشعب أو بلسان مصلحة الجماهير على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي.

 والشرطان تفتقر الأحزاب السياسية في اليمن إلى وجودهما رغم حاجة جميع اليمنيين في مثل هذه الظروف إلى أن يعيشوا معنى الدور الوطني والنضالي للأحزاب السياسية بعد ما أصبحت مقاليد السلطة خارج فضاء السيادة الوطنية اليمنية.

في صنعاء وما يتبعها من مجال سياسي واجتماعي أو في العاصمة عدن وما يتبعها من مجال سياسي واجتماعي لا نجد وجودا للأحزاب السياسية في السلطة، بالمعنى الذي يجعل السلطة أداة تغيير بيد العقل السياسي الحزبي، ومع ذلك نجد الأحزاب السياسية غير مستعدة للتخلي عن هلامية وجودها في السلطة وأن تتحول إلى أدوات سياسية وجماهيرية فاعلة في المشهد السياسي اليمني.

 بمعنى آخر تستعيد دورها كأحزاب سياسية تعبر عن تطلعات الشعب وهمومه ومصالحه خصوصاً في مثل هذه الظروف التي تعيشها اليمن.

لهذا وذاك من الطبيعي أن تصبح الأحزاب السياسية "تعبيرات سياسية قابلة" للتجاوز من قبل السلطة الحاكمة وتوجهاتها وكذلك محل للانتباذ السياسي والوطني في نظر المواطنين وأكثر من ذلك محل تهميش سياسي من قبل الفاعلين الإقليميين والدوليين في اليمن.

 ما يعني في النتيجة النهائية أن الأحزاب السياسية عندما فقدت نجاعة وجودها في المشهد السياسي (وليس في السلطة) وفقدت فعلها وقولها بمسؤولية وبلسان حال المواطنين لم تجد "على إثر ذلك" من لا يحسن الاستماع إليها فقط، بل لم تجد من يفكر في مشروعية التعاطي الجاد والمسئول معها كأحزاب سياسية تعبر عن تطلعات الشعب اليمني سيما من قبل الفاعلين في ترتيب أوراق السلطة أو المشهد السياسي في اليمن.

 وما حدث في مؤتمر الرياض وطريقة الدعوة إلى حضوره والأشخاص المشاركين فيه، وحتى مخرجاته التي بدت تعبر عن توازنات عسكرية أكثر من كونها توازنات سياسية حزبية وكذلك ما سيجري في القريب العاجل من ترتيبات، كل ذلك دليل على حقيقة غياب الدور الفاعل للأحزاب السياسية في المشهد السياسي وحقيقة عدم الاكتراث بها من قبل الفاعلين في ترتيب أوراق المشهد السياسي في اليمن.

وعطفا على ذلك نستطيع القول بأنه مهما سيحدث من تغييرات على مستوى السلطة في القريب العاجل، إلا أن الثابت أن ترتيب المشهد السياسي في اليمن وخلق الشروط الخاصة بالصيغة النهاية للحل على المستوى الوطني سوف يظل انعكاسا لما هو كائن الآن ومقرر لاستمرار فاعليته وتوازناته العسكرية دون أي اكتراث بتقرير ما يجب أن يكون في اليمن بالمعنى الذي يعني الانتصار لمستقبل اليمنيين على الماضي، خصوصاً في حال إن ظلت الأحزاب السياسية غير موجودة وغير حاضرة في المشهد السياسي وعاجزة عن القيام بدورها تجاه الجماهير وبالجماهير في نفس الوقت.

وحدها الجماهير أو الشعب اليمني صاحب المصلحة في تحويل اليمن إلى دولة ووطن.

وعلى الأحزاب السياسية أن تقف اليوم على سؤال علاقتها بالجماهير والشعب اليمني وليس على سؤال علاقتها الهلامية بالسلطة الحاكمة.