بعكس الكثيرين من المهتمين بالشأن اليمني لم أتفاجأ بوصول السفير السعودي إلى صنعاء والجلوس مع قيادات الحركة الحوثية، أو حتى ذهاب المملكة العربية السعودية بمفردها مع الحركة الحوثية إلى مفاوضات سلام أو مباحثات سياسية "بعلم الشرعية أو بدون علمها" مثلها مثل ملف تعز "الإنساني" الذي كنت لا أتفاجأ بترحيله تباعاً من طاولة المباحثات أو المشاورات التي كانت تتعلق بحلحلة الملفات الإنسانية كبداية أو كمدخل سليم في خلق أجواء الثقة كمقدمة للحديث عن الحل السياسي في اليمن.
فعلاوة على أن التدخل العسكري والحرب في اليمن ضد الحركة الحوثية لم تدر طول ثماني سنوات بطريقة الحرب الثورية، وهي الحرب التي كان يجب أن تكون منذ البداية وفق الخصوصية اليمنية بكونها حربا بين شرعية الفرصة التاريخية الثورية المعنية ببناء الدولة الوطنية الديمقراطية في اليمن وبين الحركة الحوثية الانقلابية على هذا التوجه أو على الفرصة التاريخية، أي حرب في سبيل فكرة التغيير نحو المستقبل الذي طال انتظار مجيئه في اليمن.
ما يعني في النتيجة أن الحروب التي تفقد شروطها الثورية تتوقف بين الأطراف كما لو أنها كانت غير موجودة بينهم دون الاعتبار للثمن المدفوع، لأن الثمن لم يرتبط منذ البداية بشرعية الأهداف الوطنية.
هذا من جهة أولى ومن جهة ثانية، كنت منذ بداية الحرب وما أزال لدي وجهة نظر تقول بخصوص وقف الحرب في اليمن أن حدوث أي انفراج أو تفاهمات بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران سوف ينعكس أثره على مجريات الأحداث في اليمن حتى من قبيل فرض وقف الحرب على الأطراف، سيما وأن اليمنيين فقدوا مبكراً مسألة السيطرة على قرار الحرب والسلام بالمعنى الذي يجعل من الحرب والسلام خيارات وطنية في سبيل المستقبل.
كما تقول وجهة نظري بخصوص تعز، إن الحركة الحوثية كانت ترى منذ البداية في مسألة حصارها لمدينة تعز بأنها سوف تمكنها من الحصول على أوراق سياسية قابلة للاستثمار السياسي في الوقت المناسب، الأمر الذي يعني عدم التعاطي مع حصار تعز كقضية إنسانية أو مطالب حقوقية يجب إدراجها في مباحثات تتعلق بتخفيف معاناة اليمنيين وخلق أجواء الثقة بين الأطراف، على غرار المشاورات التي كانت تتعلق برفع الحصار عن اليمنيين وفتح الممرات الإنسانية وتبادل الأسرى بين الطرفين.
بمعنى آخر في حسابات الحركة الحوثية لا يمكن النظر بشكل جاد بخصوص رفع الحصار عن مدينة تعز إلا في حال أن تتوقف الحرب بشكل جدي ونهائي من وجهة نظرها، سيما عندما تفقد الحرب الموجهة ضدها شروطها الثورية وتقف الأطراف في اليمن على شروط التسوية السياسية على المستوى الوطني، هذا إذا لم يكن النظر في رفع الحصار عن تعز داخلا أساساً في صلب المفاوضات السياسية.
أستطيع القول جازماً بأن وجهة نظري في الأولى والثانية ليست وليدة اللحظة التي تحمل بعض المؤشرات بخصوص ذلك، بل سبق وأن عبرت عن ذلك في بعض كتاباتي المنشورة في صفحتي وفي بعض المواقع الإلكترونية وعبرت عنها في العديد من المناقشات السياسية الجادة مع بعض الأصدقاء والسياسيين وفي مقدمة هؤلاء الدكتورة ألفت الدبعي والرفيق باسم الحاج سكرتير أول منظمة الحزب في تعز. غير أن نقاشي المكثف بخصوص ذلك كان يومها مع الدكتورة ألفت الدبعي على إثر تحرك بعض الشابات والشباب من داخل المدينة بقيادة معين العبيدي وعلاء الاغبري إلى منطقة الحوبان وعقد لقاءات متعددة مع قيادات حوثية تحت مساع إنسانية مستقلة تتعلق بالحديث عن حاجة المواطنين في تعز "الشرعية" لفتح الطرقات وإعادة ضخ المياه من الحقول المائية التي تقع تحت سيطرة الحركة الحوثية.
وإذا كان مثل هؤلاء الشابات والشباب الطامحين في تحقيق منجزات إنسانية تحسب لهم في سبيل محافظتهم لم ينجحوا في إقناع الحركة الحوثية حتى في رفع بعض أشكال الحصار عن تعز مثل ضخ المياه فإن المعنيين على المستوى الدولي بنظر وقف الحرب في اليمن خصوصاً الطامحين في تحقيق منجزات سلام تضاف إلى رصيدهم الشخصي مثل مبعوث الأمم المتحدة ومندوب أمريكا وسفيرها في اليمن وكذلك سفراء الدول الأوروبية.
كل هؤلاء نجدهم قد فشلوا تباعاً في إقناع الحركة الحوثية في مسألة رفع الحصار عن تعز أو حتى ربط ملف حصارها بالملفات الإنسانية المطروحة من قبل الحركة على المستوى الوطني، سيما وأن حكومة الشرعية طالبت منذ البداية أن يتم رفع الحصار عن مطار صنعاء وميناء الحديدة بالتوازي مع رفع الحصار عن تعز إلا أن مثل هذه المقايضة المقبولة بمنطق المكيال الواحد المعني بالتعامل الإنساني في ظروف الحروب ناهيك عن أحكام القوانين الدولية الإنسانية التي تحرم العقاب الجماعي أو حصار المدنيين.
ومع ذلك لم يتم التعاطي مع حصار تعز بمسؤولية إنسانية وقانونية ليس من قبل الحركة الحوثية التي لها أجندتها السياسية التي سوف نتحدث عنها، بل حتى من قبل الوسطاء الدوليين.
قتال الحركة الحوثية ضد تحرير محافظة تعز ورفضها فك الحصار عنها -بالذات- راجع في الأساس إلى أسباب سياسية مهمة تتعلق بمستقبلها السياسي على المستوى الوطني أكثر من كونها أسبابا تتعلق باستراتيجية حربها العسكرية من زاوية الانتصار أو الهزيمة في تعز، (طالما والحرب في اليمن لن تحسم عسكرياً لصالح طرف على حساب الآخر) ناهيك عن أن توقعات الحركة الحوثية تقول بأن الانتقالي أو النخب السياسية الجنوبية سوف تحضر إلى طاولة المفاوضات السياسية النهائية وهي معنية بالحديث عن الجنوب الذي يجب أن يأتي إلى طاولة المفاوضات السياسية من خارج نطاق الهوية اليمنية الجامعة، أي أن يحضر الجنوب بمشروع سياسي للجنوب في وجه الشمال وليس في وجه المشكلة اليمنية أو في وجه الانقلاب التاريخي للحركة الحوثية على مشروع الدولة والديمقراطية والوطن الكبير في اليمن، وهو أمر تتمنى الحركة الحوثية حدوثه من قبل الجنوبيين بعكس مزايداتها الإعلامية.