د. صادق القاضي
مؤتمر "الحوار الجنوبي": ماذا.. وإلى أين؟!
لأسباب مفهومة تتعلق بمجمل تعقيدات الحالة اليمنية الراهنة، لم يحظَ انعقاد مؤتمر "الحوار الوطني الجنوبي"، بالأهمية التي يستحقها في نقاشات الرأي العام، أو لدى الأطراف اليمنية المعنية.
هناك "تعامس" مقصود، أو "تهوين" غير مدروس، تجاه هذا الحدث الذي هو في الحقيقة، أهم وأخطر ما حدث في اليمن هذا العام، حتى اليوم على الأقل.
هذا الحدث المفصلي، يستوعب ما قبله، وله ما بعده، ولا يمكن اختزال أهميته في حدود القائمين عليه والمشاركين فيه، ولا في المطالب التقليدية المتمثلة بالانفصال، وإقامة دولة مستقلة في الجنوب.
في المقابل تكمن الأهمية العالية لهذا المؤتمر. في كونه سابقة مهمة من نوعها، على جوانب عديدة:
- من حيث الكم: نجح هذا المؤتمر في ضم عدد كبير من النخب والقيادات والقوى السياسية المؤثرة على امتداد الجنوب، وترك الباب مفتوحا لالتحاق القوى والقيادات والنخب الجنوبية غير المشاركة.
- ومن حيث الكيف: نجح هذا المؤتمر في مخرجاته الأدبية بصياغة وثيقة "الميثاق الوطني الجنوبي".
وبقدر ما نجح المؤتمر في إقناع عدد كبير من القيادات الجنوبية بتجاوز خلافاتهم وعلاقاتهم المتفاصلة، نجح في تقديم هذا الميثاق:
- كإطار عملي لضم كل القوى السياسية والعسكرية والاجتماعية الجنوبية، في كيان موحد، للعمل ضمن مشروع محدد.
- وكخارطة طريق عملية متكاملة لدولة مستقلة في الجنوب، ذات كيان وكينونة مختلفة.
ومع أن الظروف المحلية والإقليمية والدولية الراهنة، لا تسمح حالياً بإسقاط هذا المشروع عمليا على أرض الواقع. إلا أن من شأن هذا المؤتمر أن يمنح القضية الجنوبية زخما وتسارعا وتأثيرا مضاعفا، على الساحة السياسية والعسكرية.
وعلى سبيل الافتراض الجدلي أن الانفصال واستقلال الجنوب، هو الحل للقضية الجنوبية التي هي عادلة في كثير من مفرداتها، تظل المسألة مفتوحة على مخاوف مهولة على المدى القريب والمتوسط والبعيد.
يتعلق أكثر هذه المخاوف مباشرة بتداعياتها على السلطة والحكومة اليمنية الشرعية في هذه الملابسات الراهنة بالغة التعقيد.. مناقشة تقرير مصير الجنوب قبل إسقاط الانقلاب الحوثي هو ضربة قاضية للقضية اليمنية برمتها.
كذلك، فيما يتعلق بالشعب، ومع أن هذا الميثاق يصر على إعادة الحالة اليمنية إلى ما كانت عليه قبل تحقيق "الوحدة اليمنية" 1990م. إلا أنه يؤكد مرارا أنه مشروع لخلق حالة جديدة في المنطقة مختلفة جوهريا عنها في زمن التشطير.
وبالذات فيما يتصل بالوحدة الوطنية والهوية اليمنية، اللتين كانتا قائمتين قبل الوحدة السياسية، وحتى اليوم، في حين يؤكد هذا الميثاق على محوهما لصالح هوية مختلفة لشعب مختلف، بما يتضمن إجرائيا القيام بتغيير ديمغرافي في الجنوب، ونزع الجنسية عن كل المواطنين اليمنيين ذوي الأصول الشمالية الذين استقروا في الجنوب منذ عام 1990م.