لا يؤمن القائد بالنضال من خارج البلاد، أكثر شيء يمكنه أن يكرهه قصة الدفاع عن البلاد من الخارج.
هو يعيش في جبل من جبال الساحل الغربي، وكل قاداته معه يشاركهم هذه الظروف، ويحبك أكثر طالما أنت في الداخل.
والمكتب السياسي (للمقاومة الوطنية) فرض على قياداته العودة إلى الداخل. وبرلمانيو المكتب السياسي في الداخل، بنى لهم مبنى هناك وقال لهم: من يؤمن بالمقاومة يأتي هنا.
ليس هذا فقط. كانت المشورة أن يدشن قناة الجمهورية من الخارج، في مصر مثلاً، وبتكلفة أقل وبسهولة ويسر وقبول أغلب المبدعين ومجيدي الظهور التلفزيوني بالعيش في مصر، لكنه أبى.
قال: القناة تنطلق في الداخل.
ومن يريد أن يكون ضمن الطاقم شرط الخارج لا نريده فالأمر ليس مجرد إبداع بل قضية ونضال، ومن لا يستطيع أن يتحمل متاعب الساحل الغربي لا نريده.
فكرة القائد أن الداخل هو كل شيء، طالما هو في الداخل، ويكره بكل حواسه فكرة الخروج.
حدثني ذات يوم أحد قيادات المقاومة ونحن نضحك، وقد أخذ إجازة لزيارة عائلته في القاهرة بعد جهد جهيد، أن القائد يراسله من المخا بعد انتهاء الإجازة وينك يا فلان؟
رد عليه: ما زلت في القاهرة.. وسأرتب لرحلة هذا الأسبوع وأعود، وانتظار رحلة يعني الأيام تطول، وهي مبرر للبقاء بعد الإجازة لأسبوع، أو نصف شهر، لكن القائد قطع عليه الطريق.
باب الشقة يدق.. طاق طاق طاق.. مرسال أتى والتذكرة بيده والحجز، وكل شيء، بذات الوقت، والسفر إلى البلاد في الغد.
وهذه حكاية لمعرفة نوعية هذا الرجل الذي لا يفرط بالداخل.
واليوم نراه يحتفل بزفاف ألف عريس وعروس في المخا، بينهم نجله الأكبر، الخارج من السجن، في الداخل اليمني، رفقة رجال الحرب، والحرف، والمجتمع، قضية وإيمان وتراب.
وأتذكر حكاية صغيرة عن مطلب نبيل طلبه منه اسمُ كبير يعيش في الخارج لشخص آخر، لم يرد عليه.
فحدثني وحدثت القائد،
سرعان ما استجاب القائد، كنت أنا أو واحد غيري، فقال لي الرجل القائد طارق يقدرك.
رددت عليه: ليس هذا الأمر، كلنا جنده، بل لأني في الداخل، فقط.
والقائد يؤمن بكل رجل في الداخل، يعرف معنى البقاء صحبة الرجال، شجعان الجمهورية، وأكبر مثال وجوده اليوم لابساً بزته العسكرية بين أبناء اليمن، من شمال وجنوب شرق وغرب، بالداخل اليمني، لم يقم ذلك في دولة خارجية، وهو يستطيع، ان أشد ما يمكن فعله، هو الإصرار على الداخل، كل نصر يأتي من الداخل فقط.
وقد قال ذات يوم في خطابه: عودوا إلى الداخل ونتقاسم الموجود، كل شيء.
يقصد بذلك إعلاميين عسكريين دبلوماسيين، قيادات حزبية، وكل صنوف وأصناف البلاد، خاطبهم بكل قوة، ومن قوة، وهو لا يخطب، فقط، هو يفعل.. يقول ويفعل.. سنواته مليئة بالغبار.. الغبار المتعب.. من بقائه في الداخل.
وقد كنت عنده ذات مرة وقال لي: رأيك بالأشجار؟
الأشجار رأيتهن بمقر إقامته العسكري، وفعلاً الشجر كن جميلات، خضراء، يشعن حياة، قلت له: رائع جداً.
أكمل لي القائد: أسقيهن بيدي.. يزرع شجرة أينما حل وبقى.. يستطيع، أن يأمر، فتسقى، لكن هذا الرجل حياة.
هذا تفصيل صغير من تفاصيل حياته، من يهتم بإحياء شجيرات بجانبه يعني أنه يحيي كل شيء، بطريقته، والشجرة عنوان للحياة والبقاء، والصمود، والداخل.