يومها كانت الجمهورية العربية اليمنية تتمدد بين الشبكة والقلعة… الشبكة في تعز والقلعة في صنعاء والرادع بينهما حتى تحول الى موقف للسيارات وأزيل سجن نافع سيئ الذكر… الرادع الذي أودع فيه كبير هذه البلاد شعرا الاستاذ البردوني فراشه قبل ان يذهب ويفجرها قصيدة "فظيع جهل مايجري…." والتي ستظل تمثل واقع الحال الى يوم القيامة… قيل يومها ان القاضيين اختلفا حول المبصر العظيم، الحجري يقول بحبسه والارياني يرفض!!
كان للكتاب قيمته العظمى، وكانت الجريدة والمجلة غذاء الناس، يوم أن كانت صحيفة الثورة هي الوحيدة ومصر تغذي الأرواح بالأهرام والمصور… ومن الخليج يتدفق إلى الأنفس حرف الكويت وكلمتها…
كانت صنعاء يومها بين باب اليمن وباب القاع…
مدخل شارع باب القاع مكتبة الأنوار حق القدسي بالتأكيد كثير منكم يتذكرها…
محمد احمد صالح وأمين وقبلهما عبد الوهاب كبيرهم…
الطباخ يعرف وجه المتغدي كما يقال، كان أمين وهو الذي يواجه الناس يشم القارئ، فيذهب به إلى ما وراء التخشيبة ويدس في يده كتابا ممنوعا بقيمته البسيطة…
ذات نهار، ذهبت، أشار إلى بالدخول الى ما وراء التخشيبة واعطاني كتابا مُنِعَ تلك الايام…
عندما ابتعدت عن المكتبة، نظرت في الغلاف فإذا به رسمة أو صورة لماسورة ضخمة وفي فوهتها مال وقصور جعلتني أسأل نفسي بعد ان اعدته تحت قميصي:
هل هو كتاب علمي؟؟
حيثما أسكن في الدكان الذي استأجره علي الحمادي رأيت اسم الكتاب "فئران الأنابيب" بخشيش، فتحت الصفحة الأولى فإذا بها نص لما قيل إنه اتفاق بين أمريكا والسعودية على بيع النفط بنفس السعر المتفق عليه حتى ولو ارتفع سعره عالميا، وقع على الاتفاق الملك خالد!!!
قرأت تلك الرواية للفرنسي ميشال كليرك، والتي كان الأمن الوطني قد صادرها وبقيت نسخ لدى "الأنوار" وزعها كالممنوعات!!!
مكتبة الأنوار القدسي كانت وكيل المطبوعات الكويتية، ومن خلالها تصفحنا وقرأنا "النهضة واليقظة والرأي العام والقبس والسياسة وعالم المعرفة والثقافة العالمية".
أنا راسلت أولا النهضة وفيها عملت حوارا طويلا مع د. حسين العمري يوم أن كان وزيرا للتربية والتعليم، تمنيت يومها ان يستمر الى ما لا نهاية، الصفحة الاخيرة في النهضة كان يكتبها عميد "دار الرأي العام" تحت عنوان دائم "بالقلم الأحمر"، لكن الشارع أصر طوال الوقت بل يحلف بأغلظ الأيمان أن القلم بالفعل للمساعيد، والذي يكتب اسبوعيا عبد الله الشيتي مدير التحرير… وفي اليقظة كتبت مادة طويلة عن علي محسن المريسي لاعب الزمالك أيام أن كان "فن وهندسة"..
ومن اليقظة، جاء وفاء دعبول ذلك اللبناني الرائع يجمع اعلانات لعدد كرس لليمن.. رافقته الى الشركات والمؤسسات والوزارات وخرجنا بحصيلة كبيرة..
باسلوب اللبناني المرح حكى لي أشياء كثيرة مرتبطة بالمهنة، اجملها ما حصل له في الخرطوم، قال:
طلبت إجراء مقابلة مع جعفر النميري -طبعا لليقظة- يومها كان قد اُعلن "أميرا للمؤمنين"، جلست الى مدير مكتبه انتظر موعدي، فجأة خرج اثنان يلحق الأخير الأول، اندفعت أرى إلى أين يذهبان، وفي الممر الطويل، مسك الأخير بالأول وراح يضربه… بدماثة السوداني مسكني مدير المكتب قائلا في أذني:
أستاذ دعبول لا تخف، هذا أمير المؤمنين يربي أحد الوزراء!!! فكرت سريعا، اخذت أوراقي وخرجت احدث نفسي:
يمكن أن يحصل لي ما حصل للوزير، "بلاها" مقابلة…
حرب الخليج الأولى قتلت أشياء جميلة في حياتنا، لقد توقف حرف الكويت، توقفت الصحف والمجلات، انعكس الأمر على مكتبة الأنوار، اغلقت كما أغلق دار القلم… واعرت انا روايتي لسالم عبد الرحمن ملك خط وسط نادي شعب صنعاء القارئ النهم.. وصرنا جميعا بلا روح.
رحم الله محمد احمد صالح.
ولتنم روحه بسلام.
من صفحة الكاتب على الفيسبوك