محمد عبده الشجاع
استفتاءٌ شعبي.. الجامعُ صالِحي وإنْ أنكرَ الأعداء
عاد الصالحُ للواجهة بعد أن اعتقدت مليشيا الحوثي وأنصارها المتطرفون، بأنهم أزاحوا اسمه من ذاكرة الناس وأذهانهم، ومن سور الجامع الذي يعد أحد أهم معالم الجمهورية اليمنية والوحدة، ومرحلة التنمية والبناء والازدهار ويمثل رمزية دينية وشعبية جارفة لدى ملايين الناس وفي ميدان السبعين أهم الميادين التي ارتبطت بذاكرة الناس وتطلعاتهم خلال العقود الماضية بعد أن تحرروا من الإمامة وطغيانها.
عادت التسمية من جديد بلباس قشيب ورداء أكثر أناقة وصدىً يشبه الشروق، وثورة تعانق جبال صنعاء وروابي اللواء الأخضر، وأريج يسافر في سماء الحالمة، وشفق يلف عروس البحر الأحمر، وبياض يحتضن حضرموت الوادي والصحراء، عاد من خلال استفتاء شعبي عفوي واسع يَعجُّ بالتسامح أوساط اليمنيين، صغاراً وكباراً، نساءً ورجالاً، لتؤكد هذه المفارقات ودون شك مدى بشاعة هذه الجماعة ورؤيتها للدين ودُور العبادة وقيم التسامح والمحبة والعلوم والمعرفة.
عشرات بل آلاف الرسائل والمقالات والمنشورات المتبوعة بصور الزعيم الشهيد والجامع الذي يشكل واحداً من أبرز البنايات الإسلامية ذات الطباع المعماري الفريد في اليمن، والذي جسد عظمة الإنسان اليمني وطبيعة الأرض وجمال الطراز والأحجار وخطوط الآيات التي زينت جدران الجامع من الداخل والنقوش البديعة والأعمدة الشامخة، والزخارف والعقود التي شكلت جمالاً وإبداعاً منقطع النظير أمام الأبصار ودهشة الزوار، نساءً ورجالاً عرباً وعجماً.
وهكذا دواليك كلما حاولت المليشيا وأتباعها استفزاز الناس، وجدت ردود فعل قاسية تُعرِّيها من زيف سلطتها، وتشير بأصابع الاتهام إلى وجوه سقطت خلال الفوضى التي خلفتها، سقوط مريع أخلاقيا وانسانيًا وسياسيا واجتماعيا، وما تزال تستفز الناس ليس بكيل التهم والشتائم للرئيس الأسبق علي عبد الله صالح، وهو الذي رحل إلى ربه مدافعًا عن نفسه وعرضه وأهله وشعبه، وإنما من خلال عمليات القتل خارج القانون والترويع الممنهج، والإرهاب الذي جُبلت عليه ويُعد أحد الأساليب القذرة تجاه ما هو جميل وأصيل، وجلسات التعذيب الوحشية التي يتلقاها المعتقلون حد الموت.
ما حدث بالأمس من ردود فعل واستفتاء توحدت فيه القلوب والعقول والأفئدة، ليس تعصبًا مع الشهيد الراحل بقدر ما هي تحقير لهذه الجماعة التي أظهرت كم هي صغيرة وصغيرة جدًا أمام اختبارات من هذا النوع واستفتاء عفوي رتبته الأقدار وحاكت خيوطه أنامل الرابضين كالأسود على الجمر، ودفعت به تلك الألسن المليئة بالبذاءة والسقوط الأخلاقي.
ما تم بالأمس من حديث حول جامع الصالح من أحد أتباع الجماعة، تتويج لأعمالهم القذرة تجاه الجوامع ودور العبادة، حيث أظهرت العداء وأيقظت الثأر الذي رتبت له منذ سنوات، ثأر عمره 1400 عام لا ناقة لإنسان هذا العصر به ولا جمل، وما تزال تحاول فرض الخرافة وثقافة الكراهية والدعوات الطائفية، والنيل من الرموز الدينية والتاريخية لتمرير مشروع سياسي قذر تدعمه فيالق وعِمامات ومرجعيات وحوزات من طهران وجنوب لبنان.
اليوم أينما وجدت إيران وأذرعها وجد الفقر والجهل والقتل والتعصب، والطائفية وانهيار التعليم والمنظومة الصحية والبنى التحتية، وهتك الأعراض وتمزيق النسيج الاجتماعي ونهب الثروات، وبروز ظواهر تسيئ لِدِيننا الحنيف وللقيم والثوابت والأعراف.
رحل الصالح، وهو الذي لم يغير قبرًا ولا دمر جامعًا ولم ينظر لصغار الأمور، رحل وهناك السلفي والإخواني والصوفي والزيدي والشافعي والحنبلي والمالكي والبهرة والبهائي وحتى الوهابي واليهودي والنصراني، رحل وهناك قبة المتوكل وجامع المؤيد والصنعاني والخولاني والكبسي والمحطوري والديلمي وشرف الدين وعلي وعمر وعائشة وفاطمة وخديجة وأبو بكر وعثمان، وعشرات الجوامع والقباب في الحديدة وحضرموت وتعز وإب وغيرها من المسميات التي تدعي نسبها للنبي.
رحل دون أن يلغي نسبًا أو يسخر من جماعة إلا ما هو متعلق بالإمامة التي أوجعت كل يمني، والإرهاب الذي كانت عليه جماعة القاعدة وأرادت أن تحول اليمن لوكر من الفوضى.
وأخيرًا أقول: لعله خير، رحل الصالح وبقي أثره وحتى الذين خاصموه في حياته، خرجوا للدفاع عنه في مماته من شرذمة قتلته وقتلت معه أكثر من 30 مليون يمني جوعا وقهرا وإعدامات.