عشنا حروبا كثيرة. والحرب ليست ما نسمعه في محطات الإذاعة وما نراه على شاشات التلفزيون وما نقرأ عنه في الصحف والمواقع الإلكترونية. الحروب التي نجونا منها كنا قد عشناها لا بصفتنا أبطالا صناديد، بل كنا ضحايا لها ولصانعيها. وهي لم تكن حروبنا الوطنية أو العائلية. بالنسبة إليّ على سبيل المثال، لم يأخذ أحد رأيي فيما إذا كنت أرغب في ملاقاة الإيرانيين في ساحة الحرب. كنت أفضل أن نلاقيهم في ملعب كرة القدم. ولكن هناك مَن يضع النصر في جيبه كما لو أنه حلوى. ذلك ما يتحدث عنه حسن نصرالله. وهو مواطن في بلد يعاني مواطنوه من بلاء الفقر ووباء الفساد وضيق العيش بحيث أنهم ينتظرون بوق إسرافيل لكي ينتقلوا إلى القيامة.
سيُقال عني إني مواطن قديم لا أفهم معادلات الحياة الجديدة القائمة على حرب لا ترغب أطرافها إلا في السلام. كل الأطراف تنادي بالسلام. وهم على حق في ذلك. إنهم يفعلون ما هو مطلوب منهم من أجل إظهار احترامهم لشعوبهم. وهو احترام تنقضه الحروب التي تطحن الأخضر واليابس. لذلك لا أفهم كيف تكون الصواريخ والطائرات المسيرة طريقة في التعبير عن السلام. هناك ممرات أخرى للسلام غير أنفاق غزة والضاحية الجنوبية ببيروت. ولكن هناك مَن يضحك علينا بالسلام من أجل أن يمرر حربه. وهي الحرب التي ستكون حربنا بالإكراه؛ حربنا التي يجب علينا أن ندفع ثمنها. وهو ثمن باهظ.
يقول الرئيس الأميركي المغادر جو بايدن “إن اغتيال إسماعيل هنية لا يخدم السلام” وفي الوقت نفسه يدعو إلى تعزيز جبهة إسرائيل بمزيد من الأسلحة النوعية. حرب إسرائيل هي حربه أما السلام الذي سبق له وأن زل لسانه في الحديث عنه فهو ليس سلام الفلسطينيين. هذه ليست متاهة أو لغزا. لم تقل إسرائيل يوما إنها تريد الحرب. غير أن جنرالاتها يعتبرون الفلسطينيين حشرات ينبغي القضاء عليها.
كان الرئيس العراقي الراحل صدام حسين يردد أن أية دولة عربية تتعرض لاعتداء خارجي ينبغي الوقوف معها بغض النظر عن الموقف من نظامها السياسي. في نهاية الأمر فإن الرجل المعروف بأفكاره القومية كان أول من خرج على اتفاقية الدفاع العربي المشترك وحطم الأمن القومي حين احتل الكويت ووجه دعوة صريحة لقوات 33 دولة برئاسة الولايات المتحدة لتدمير العراق. كانت الحرب هي رسالته إلى العالم. وهي رسالة ملغومة بلعنات تاريخية.
اليوم إذ تعيش المنطقة على وقع طبول حرب لا يمكن توقع حدودها الجغرافية لا أحد من أطرافها يرغب في وقوعها غير أن الأطراف كلها متأكدة من أنها ستقع. يحتاجها الجميع كما لو أنها القدر الذي لا يمكن الهروب منه. لن يسأل حزب الله اللبنانيين عما إذا كانوا يرغبون في الحرب أم لا. أما أنصار الله وهم جماعة عبدالملك الحوثي فإن إرادتهم ليست من الطراز الوطني لكي يفتشوا عن مواطنيهم ليسألوهم، ثم أين يقع مواطنوهم وقد تحولوا إلى رعايا وأتباع. وعلى الجبهة العراقية فإن خيار الحرب بالنسبة إلى الحشد الشعبي وقد صار جزءا من السلطات الثلاث هو خلاصة الاستفتاء الديمقراطي الذي أقره الشعب عبر أكثر من عشرين سنة من الحياة السياسية الديمقراطية.
تعرف إسرائيل ما يجري في العالم العربي. تعرف أن الميليشيات بكل جعجعة سلاحها وضجيج إعلامها لا يمكن أن تشكل شيئا بعد انهيار دولتي العراق وسوريا، وأن إيران لا تشكل خطرا عليها بالقدر الذي تشكله على العالم العربي وقد باتت أربع دول تحت هيمنتها. في الوقت نفسه تعرف أن إيران ستخبئ رأسها حين تقع الحرب. فهي ليست حربها وهي لن تحمي وكلاءها وحرب غزة خير دليل على ذلك.
وبالرغم من أن إيران لا تدعو إلى السلام ولم يسبق لها أن فعلت ذلك فإنها ستتحاشى التورط في حرب قد تؤدي بها إلى طريق الهلاك. ستكون حربها حربنا. وإسرائيل التي تريد حربا على طريقتها لا أتوقع أنها ستُجر إلى التورط في حرب عبثية، عدوها فيها ليست له صلة بالأرض التي يقف عليها. فهو لا يدافع عن وطن وليست لديه قضية وطنية يستميت في الدفاع عن سلامها.
لعبة الحرب والسلام تضيع فيها الحقيقة فيما يتدثر قتلاها الأبرياء بأناشيد زائفة ورايات تتبدل ألوانها من غير أن يتبدل الجوهر. السلام كذبة تقول حقيقتها من خلال الحرب.
من صحيفة العرب الدولية