بشأن الحملة المستمرة منذ أكثر من نصف شهر على إدارة وطاقم المركز الثقافي اليمني في القاهرة بدعوى أن إدارته رفضت ندوة عن خطر الحوثي "لأنها سياسية"، أود توضيح الحكاية التي نُقِلَتْ للكثيرين مَكْذُوبَةً ومَغْلُوطةً بالكامل:
أولاً، نحن في المركز الثقافي اليمني في القاهرة -إدارةً وطاقماً- نعتقد (بل ونؤمن) أن صراعنا مع ميليشيا الحوثي الإمامية ليس صراعاً سياسياً وعسكرياً فقط، بل هو صراع ثقافي وفني وتعليمي وتاريخي واجتماعي واقتصادي، وصراع كرامة في المقام الأول، لأن من العار على أي يمني أن يقبل على أرضه بأي نظام تمييز عنصري لصالحه هو على حساب أحدٍ آخر ناهيكم عن أن يكون لصالح أحدٍ سواه على حساب نفسه وآبائه وأجداده. لهذا، فدعوى رفض المركز الثقافي لأي ندوة عن خطر الحوثي بحجة أنها "سياسية" دعوى كاذبة وساقطة، مثل أصحابها، من حيث المبدأ.
ثانياً، لم يرفض مدير المركز الثقافي الأستاذ حسين محب هذه الندوة كما لم يرفض أي ندوة سابقة. ولم أرفضها أنا طبعاً، ولم يرفضها أحد في المركز الثقافي ولا في السفارة، لكن من تقدموا بها إلينا (ثم إلى السفارة) تقدموا بها _كما يبدو_ لغرض واحد: أن يتم رفضها. ومع هذا لم نرفضها نحن، بل رفضوا إقامتها هم.
كيف؟
اسمحوا لي اضطراري لبعض التفاصيل التي أراها هامة لتقديم صورة أدق عن ما حدث:
لقد تقدموا إلينا بالندوة في المركز الخميس 17 يوليو الماضي طالبين منا إقامتها بعد يومين، أي يوم السبت، وهو يوم عطلة رسمية في المركز وفي السفارة وفي مصر كلها. ولا نستطيع الترتيب لندوة خلال يومين فضلاً عن كونهما يومي عطلة. تم إيضاح هذا الأمر للزميل أحمد عباس مدير دار عناوين بوكس الذي تقدم للمركز برسالة طلب إقامة الندوة، ولم يكن يهمنا سوى بعض الأيام للترتيب لإقامة الندوة والإعلان عنها رغم جدولنا المزدحم بفعاليات مسبقة (بعضها تمت جدولتها قبل شهرين). لكن أحمد طلب إقامة هذه الندوة وجدولتها في النصف الثاني من أغسطس حيث كان لديه ظرف خاص خلال النصف الأول من الشهر نفسه. وهذا ما خرج به من المركز ذلك اليوم: الموافقة على إقامة الندوة وجدولتها أيضاً. لكن زملاءه، الذين افتعلوا هذه الندوة افتعالاً كي نُتَّهم في المركز برفضها، كانت لديهم نيّتهم المُبَيّتة.
فلم يكد أحمد يغادر المركز حتى اشتعلت إحدى مجموعات الواتس الإعلامية، التي تعمل كمطبخ حملات إعلامية من هذا النوع، بخبر رفض المركز الثقافي اليمني في القاهرة لفعالية عن خطر الحوثي. اتصل بي أحد الأصدقاء المطلعين يسألني: هل رفضتم فعلاً ندوة عن خطر الحوثي؟ أجبته أن هذا لم يحدث، فقال إن هناك خبرا اشتعل للتو في مجموعة واتس (خاصة ب"المؤثرين على الرئاسة والشرعية"، كما يصفون أنفسهم)، وأنهم يتحدثون عن حملة سيقومون بها لتغيير حسين محب بذريعة رفضه لهذه الندوة. أتصلت فوراً بأحمد وأنا مستاء حقيقةً لأنني أحترمه ولا أتصور أنه سيكون طرفاً في كذبة مكشوفة كهذه على المركز الذي لطالما كان مفتوحاً لفعاليات الجميع بمن فيهم دار النشر التي يديرها والتي لم يسبق أن رفضنا لها فعالية واحدة في المركز أو السفارة منذ تسلمنا إدارة المركز: "من الذي رفض الندوة في المركز يا أحمد؟"، سألته، فرد متفاجئاً بالخبر: لا أحد. وقال إنه سيبلغ زملاءه بعدم صحة هذا الخبر وإنه قد أخذ منا موافقة على إقامة الندوة وتمت جدولتها. وأضاف إنه وزملاؤه المتحدثون في الندوة بحاجة أيضا لبعض الوقت لترتيب المحتوى الذي سيقدمونه ويصعب عليهم هم أيضاً تجهيز أنفسهم ليوم السبت. وقد فعل أحمد وأبلغهم بموافقتنا وبموعد إقامتها الذي اتفق معنا عليه. لكن زملاءه، الذين يسمون أنفسهم ب"المؤثرين على الرئاسة والشرعية"، كان لديهم رأي آخر.
اتصلوا بالسفير خالد محفوظ بحاح مساء اليوم نفسه، الخميس، وطلبوا منه إقامة الندوة يوم السبت بالضبط! لا أدري بما رد عليهم السفير، لكني توقعت استغرابه من تقدمهم إليه بطلب إقامة الندوة بعد يوم واحد وفي يوم عطلة لأنه شخص يحترم الوقت والترتيب الملائم لإقامة أي فعالية صغيرةً كانت أو كبيرة. ومع هذا، فقد علمت أنه لم يرفض الندوة أيضاً، لكنهم هم قرروا بالنيابة عن المركز وعن السفارة رفضها. فقد أخرجوا حملتهم المشتعلة في مجموعة الواتس "التأثيرية على الرئاسة والشرعية" إلى صفحات الفيس وتويتر معلنين أن المركز رفض الندوة.
لم أتفاجأ بإصرارهم على إظهارنا أمام الناس بمظهر الرافضين للندوة، إذ كنت أعرف تماماً أنهم افتعلوا هذه الندوة افتعالاً لغرضٍ واحدٍ وهدفٍ وحيد: اتهام المركز برفضها والإطاحة بحسين محب. لكنني تفاجأت بمقدار الكذب ودرجة البجاحة التي وصل إليها مُفتعَلو هذه الندوة. ففي العادة، حين تتقدم إلى أي مؤسسة بطلب إقامة فعالية كهذه لديهم، لا بد أن تمهلهم أياماً ربما قد تصل إلى أسبوع كي يتمكنوا من ترتيب موعد مناسب لإقامتها ويبلغوك به، أما أن تتقدم لهم بها في يوم عطلة وتطلب منهم إقامتها بعد يوم واحد وفي يوم عطلة أيضاً، ثم تشن عليهم حملة كاذبة بأنهم رفضوا ندوتك بعد أن اتفقوا مع من أرسلته إليهم على إقامتها وفي الوقت الذي اختاره هو.. فهذا، بالله عليك، ماذا نسميه؟! أترك التسمية لك أنت شخصياً.
لقد رأيت الكثير من الحملات الكاذبة والظالمة، لكن هذه من أكثر الحملات التي رأيتها مليئةً بالكذب والظلم والغرض الخسيس. ولا أخفيكم أنني ما أزال غير مصدق أنهم افتروا علينا بهذا الشكل وبهذه البجاحة ويواصلون افتراءهم علينا حتى اللحظة! حقاً، أنا غير مصدق وأشعر بشيء من القهر.
لم أكن أريد كتابة هذا التوضيح أو كتابة أي منشور عن هذه الندوة، ولم أكتبه هنا كي يصل إلى من يقفون وراء هذه الحملة ولا إلى أحد في الحكومة والشرعية، بل كتبته توضيحاً لحقيقة ما حدث وكي أوضح للأصدقاء ولكل من جرته هذه الكذبة بعدها في الحملة ضدنا بنية حسنة.
وختاماً، أود التأكيد للجميع أن استراتيجية نشاط وفعاليات ومشاركات المركز الثقافي اليمني في القاهرة تتمحور كلها حول إبراز الوجه المشرق للحضارة والتاريخ اليمني والإعلاء من قيم الجمهورية والمواطنة والعدالة في مواجهة الإمامة والكهنوت والتمييز العنصري. وكنت أظننا لن نحتاج أبداً إلى التأكيد على هذا، فمعظم فعالياتنا تصب في هذا المصب فضلاً عن أن لدينا العديد من الفعاليات القادمة التي تتناول الخطر الحوثي الإمامي على التراث الثقافي والتاريخي اليمني (بعضها تمت جدولة إقامتها في الشهور القادمة قبل شهرين من اليوم). أعرف أنني أطلت كثيراً في هذا التوضيح، لكنني حاولت قدر مستطاعي عدم الإطالة ففرضت الكثير من التفاصيل نفسها على هذا التوضيح.. شكراً لكم والمعذرة منكم في آن.
من صفحة الكاتب على الفيسبوك