د. حسن أبو طالب

د. حسن أبو طالب

مواجهة الحوثيين ووحدة اليمن

منذ ساعتان و 26 دقيقة

مثيرة تلك الدعوة التي تضمنتها كلمة رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن أمام أعضاء الجمعية العامة، حين طالب بتشكيل تحالف دولي لمحاربة الحركة الحوثية، بوصفها تنظيماً إرهابياً عابراً للحدود، ومدججاً بالأسلحة الإيرانية المتطورة، بعدما اختطفت الحركة اليمن قبل عقد، وجعلته رهينة لمشروع لا يخص اليمن واليمنيين. الدعوة على هذا النحو تعني أمريْن، أن الرهان على أي عملية سياسية تعيد الحوثيين إلى الالتزام بخريطة الطريق التي طرحها المبعوث الدولي هانس غروندبرغ، وتتضمن تهدئة في البحر الأحمر، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، ومعالجة القضايا الاقتصادية والإنسانية العاجلة، وعملية سياسية جامعة، هو رهان خاسر وفق المعطيات الراهنة، وفي أفضل الأحوال رهان ضعيف للغاية، يتطلب صبراً طويلاً وتضحيات كبرى.

والأمر الثاني أن الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً ليست لديها القدرة على مواجهة المشروع الحوثي عسكرياً بمفردها، وقد ينجح الأمر في حال وقفت القوى الرئيسية في العالم، وليس فقط في الإقليم ضد الحركة الحوثية، وهزمت مشروعها، بشقيه اليمني والإقليمي الإيراني.

الأمران كلاهما يحيط مصير الدولة في اليمن بالغموض والشكوك. جزء كبير من هذه الشكوك يعود إلى واقع الانقسام السياسي والجغرافي، واختلاف الرؤى في مجلس القيادة الرئاسي بين اتجاهين رئيسيين يسودان بين أعضاء المجلس.

الاتجاهان عبّرا عن نفسيهما في كثير من التحركات المحلية والإقليمية، حتى قبل خطاب العليمي في الأمم المتحدة. فبينما كان يتحدث باسم اليمن الموحد الساعي للتخلص من عبء وتحدي الحوثيين، حرصاً على اليمن وعلى الإقليم معا، ودفعاً للخضوع لمشروع لا يخدم سوى إيران حسب رؤيته التي أفاض في شرحها، كان عيدروس الزبيدي، نائب رئيس المجلس القيادي يتحدث في وسائل إعلام أميركية وأمام حضور في إحدى الجامعات الأميركية بصفته قائد المجلس الانتقالي الجنوبي، مؤكداً أن كل محاولات ترميم الوحدة فشلت، وأن مواجهة الحوثيين تبدأ باستعادة الجنوب لدولته.

دعوة الزبيدي لما يعرف بفك الارتباط ليست جديدة من حيث مضمونها، فهو من أشد المتمسكين بفكرة الدولة الجنوبية، وكثيراً ما يؤكد أن كل متطلبات فك الارتباط موجودة، والمسألة تتعلق بقرار دولي يضفي الشرعية القانونية على هذا التحول الكبير.

قبول هذه الأفكار المتزايد في الجنوب مدفوع بحجم المعاناة والانتهاكات التي تعرّض لها الجنوب في حرب صيف 1994، التي قضت على تمثيله في دولة الوحدة التي تغير دستورها بعد الحرب، وأنهى فكرة تقاسم السلطة بين الحزبين «الاشتراكي» و«المؤتمر الشعبي» اللذين أسسا الوحدة وفق قاعدة الوحدة قرين الديمقراطية والتعددية الحزبية. ويأتي ضعف أداء حكومة عدن اقتصادياً وتنموياً ليضيف أسباباً أخرى للتطلع نحو جنوب مستقل بعيداً عن التأثيرات الحوثية.

قوة اتجاه فك الارتباط لا تخفي جوانب ضعف، فمن ناحية هناك إشكالية قانونية، فالذين يطرحون هذا الاختيار يصعب التعامل معهم بوصفهم يمثلون كل الجنوب، فهم ليسوا منتخبين، وليسوا مخولين لبحث فك الارتباط، وإن توفر هذا الشرط فمع من يتفاوضون، هل مع قادة من الشمال محسوبين على الحكومة الشرعية المنوط بها حماية دولة الوحدة من عوامل تراجعها؟ أم يتفاوضون مع «أنصار الله» الحوثية في الشمال، التي عبّر قادتها في مراحل سابقة، عن ترحيبهم بقبول التقسيم القائم فعلياً، بين مناطق تحت سيطرتهم يرون أنها كافية لإقامة دولتهم، والتحكم فيها من دون ضغوط من جنوب، أو من أي أطراف أخرى، وترك المناطق الأخرى ليحدث فيها ما يحدث.

غياب قانونية التمثيل عن الجنوب، قد يبدو جانباً شكلياً، ولكنه عملياً يُقيد الدعوة إلى إنهاء دولة الوحدة اليمنية، كما يقيد أي تحركات للانخراط في عملية لفك الارتباط ومنحها مشروعية دولية واعترافاً تحت مظلة الأمم المتحدة. صحيح أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أعاد تصنيف حركة «أنصار الله» بوصفها حركة إرهابية دولية، لكن هذا الأمر لا يعنى بالضرورة استعداد واشنطن للاشتباك القانوني والدبلوماسي مع مطلب مثير، ولا تتوقف تداعياته على أهله فقط، بل على محيط إقليمي ودولي في الآن ذاته.

*نقلا عن صحيفة "الشرق الأوسط"