تمر في شوارع وحارات العاصمة صنعاء فتشعر بفقدان مظاهر الروحانية التي كانت تنعكس في أصوات المصلين لصلاة التراويح من داخل مساجد العاصمة خلال ليالي شهر رمضان.
وعلى الرغم من أن مليشيات الحوثي فشلت حتى الآن في فرض توجه مذهبها في منع صلاة التراويح في مساجد العاصمة صنعاء رغم محاولاتها المتكررة لذلك ،إلا أنها عمدت إلى منع استخدام مكبرات الصوت لنقل الصلاة من داخل المساجد التي تكتظ بالمصلين الذين يصرون على أداء صلاة التراويح رغم كل المضايقات التي تعرضوا لها خلال ثلاث سنوات من سيطرة المليشيات الحوثية.
ولعل مشكلة المليشيات الحوثية أنها تعتقد أن الناس مقتنعون بما تروجه من مزاعم حول بعض الإجراءات التي تتخذها كماهو الحال في موضوع منع نقل صلاة التروايح عبر مكبرات الصوت والذي بررته بمنع إزعاج الناس وخاصة المرضى.
لنتفق مع مبررات المليشيات الحوثية في أن نقل صلاة التراويح عبر مكبرات الصوت قد يكون إزعاجا لهدوء السكان خاصة المرضى منهم وبالذات في ظل العدد الكبير للمساجد ،لكن هل مبررا كهذا بإمكانه إقناعنا عن صدق نوايا المليشيات ..
قطعا لا ...فمبررها هذا يسقط بسرعة حين نجد ان المساجد التي تسيطر عليها المليشيا تمارس طوال العام إزعاجا يوميا للناس وخاصة المرضى منهم عبر استخدام مكبرات الصوت في المساجد لنقل عملية التسبيح التي تؤديها عناصر المليشيات عقب صلاة المغرب داخل المساجد وهي شعيرة تعبدية خاصة بفكرها المذهبي ،بل إن المليشيات عمدت منذ بداية شهر رمضان إلى استخدام مكبرات الصوت في نقل تلاوة القران الكريم في نفس الوقت الذي تؤدى فيه صلاة التراويح، وهو إجراء لا يعكس فقط سعي المليشيات لمنع الآخرين من أداء المناسك التعبدية وفقا لمذاهبهم فحسب،بل ويؤكد إصرار وتعمد الحركة الحوثية على محاولة فرض توجهها المذهبي على الآخرين بالقوة .
وعلى غرار منع نقل صلاة التراويح عبر مكبرات الصوت ،فلأول مرة في العاصمة صنعاء بات إلزاميا على كل مؤذني المساجد انتظار رفع الأذان وخاصة أذان المغرب من الجامع الكبير الذي تسيطر عليه المليشيات ،وهو ما يعني فرض موعد الإفطار وفقا لزمن مرهون برؤيتهم المذهبية .
ومنذ سيطرة المليشيات على جامع الصالح لم يعد بالإمكان أن يتناوب على منبر الجامع في كل جمعة خطيب يمثل توجها مذهبيا مختلفا ،ناهيك عن فرض شعار صرخة الموت الحوثية داخل الجامع وهو ما انعكس في مقاطعة الناس للصلاة في الجامع الذي كان يمثل قبلة لكل سكان العاصمة بمختلف توجهاتهم واختلافاتهم المذهبية والفكرية والسياسية.
وفي العاصمة صنعاء أيضا باتت وسائل الإعلام الرسمية تنقل برامج دينية ذات لون واحد ،فخطباء وقيادات المليشيات الحوثية وحدهم من يحق لهم تقديم برامج دينية وفتاوى في كافة القنوات الرسمية التي يسيطرون عليها ولم يعد يسمح لأحد غيرهم حتى بالظهور في هذه الوسائل .
إذا لم يعد مجديا أمام مليشيات الحوثي تقديم مبررات كاذبة خاوية المضمون عن إجراءات هادفة إلى فرض توجهاتها المذهبية على الآخرين ،فكل الشواهد تؤكد حقيقة أن هذه الحركة المليشياوية المسلحة والمستندة على أيدلوجية دينية مذهبية وفكر سلالي لا تؤمن سوى بنفسها ولا يمكن أن تتعايش مع الأخر .
وبقدر سطوة وسيطرة المليشيا الحوثية إلا أن العاصمة صنعاء تقاوم كل مظاهر التجريف الحوثية التي تسعى المليشيا من خلالها لتحويلها إلى مدينة بلون واحد ،فصنعاء حتى الآن ورغم مرور ثلاث سنوات من سيطرة المليشيا الحوثية تمثل حاضنة اليمنيين لناحية قدرتها على احتضان السكان من مختلف مناطق وقرى البلاد بغض النظر عن مذاهبهم أو مناطقهم أو لهجاتهم أو انتماءاتهم الفكرية والسياسية، وهي في الوقت نفسه تمارس حقها في مقاومة المليشيا الحوثية وان بالرفض الصامت لكل إجراءاتهم خاصة المذهبية فالسكان في العاصمة يصرون على أداء صلاة التراويح ،وعلى مقاطعة المساجد التي تسيطر عليها المليشيا ،ويصممون على رفض ترديد شعار صرخة الموت في المساجد ويظهرون عناصر المليشيات كأقلية في كل جمعة.