يمتلئ العالم بالأحداث المتتالية التي تغير من معالمه، وتختلف تلك الأحداث وتغيراتها ما بين سياسية وثقافية وعلمية، إلا أن الحدث الأبرز في عالمنا العربي والإسلامي هو البقاء في دائرة متغير واحد من كل المتغيرات، ألا وهو التغير السياسي والثقافي في ظل ظهور المنظمات الإرهابية بمختلف مشاربها ومذاهبها وطرقها الإجرامية، التي لم تجد لنفسها مبرراً لهذا الظهور الدموي الفاشي ولاستقطاب المغرر بهم سوى الدين، الذي جعلته ستاراً لتخفي خلفه فظاعة أفعالها وخبث مقاصدها لتحقيق مصالحها الخاصة وتنفذ مخططاتها بمنتهى العنف والتطرف في ظل مفاهيم مغلوطة وتوظيف خاطئ لشعارات دينية متعددة.
ولا شك أن أبرز هذه المنظمات على الساحة اليمنية هي جماعة "الحوثيين" المتطرفة والمرتبطة بالمخطط الإيراني الرامي للانتقام من اليمن والأمة العربية ككل، مخطط قذر لا يألو جهداً في ارتكاب الأعمال الوحشية عبر وكلائه في البلدان العربية ومن بينها "الحوثي" في اليمن الذي فجر البيوت وانتهك الحرمات وقتل النساء والرجال والأطفال في سبيل تحقيق مشروعه المستمد من أوهام عفنة يجترها من خزعبلات الماضي.
جنّد الحوثي كل ما يستطيع تجنيده وتطويعه والتغرير به، كي يتمكن من تركيع أبناء الشعب اليمني، والإطاحة بالثورة السبتمبرية والنظام الجمهوري، بطرق مختلفة، مستغلاً حالة التنافر السياسي بين الأحزاب الوطنية وحالة الفقر لدى بعض الأسر، والخواء الفكري والمعرفي لدى الشباب خاصة "المراهقين" وقيامه بإقحام الأطفال والقُصّر في حروبه وأعماله القتالية التي لا علم لهم بها ولا يمكن أن يتحملوا تبعاتها وهم في هذه السن الصغيرة.
"الحوثية" أو كما يسمون أنفسهم حركة "أنصار الله" التي تتبنى العنف بتوظيفم الأطفال كجواسيس أو مبعوثين برسائل ومشاركين كـ"حطب للحرب" في العمليات العسكرية، بعد أن يتلقى أنصارهم وأتباعهم دورات ثقافية مكثفة فكرية منحرفة تخالف ما اعتاد عليه المجتمع اليمني المسالم، تهتم هذه الحركة باستقطاب عناصر جديدة دون تفريق بين صغير أو كبير أو رجل أو امرأة، ما دام ذلك سيؤدي إلى بسط سلطتهم واستمرار ظلمهم ونفوذهم وتضخيم عدد التابعين لهم بأي وسيلة وعلى حساب أي شيء دون اكتراث لأي اعتبارات أخرى.
يبحث "سماسرة" الحوثيين أو مشرفوهم، كما يسمونهم، عن "المراهقين" لاستغلال طيشهم وسهولة توجيههم ليكونوا وقوداً لهذه الحرب الملعونة التي جلبوها منذ ظهورهم في مطلع 2004 وليس فقط منذ وصولهم صنعاء في 2014، أتذكر أن أحد الشباب الذين تم استقطابه من قبلهم، وأصبح الآن "مشرف ثقافي" قال لي ذات مرة يا أخي "ابحث لنا عن الطايشين، و"الدشر"، لنجندهم يجاهدوا ويصبحوا أعضاء فعالين بدل الصياعة وجلسة الشارع، ونعطي أسرهم مصاريف بدل الحاجة"، هكذا كان كلامه، حينها انذهلت من حقدهم الدفين على هذا المجتمع ورغبتهم في تدمير مستقبل هذا الوطن بزجهم لشبابه المراهق في أتون هذه الحروب المتواصلة التي يختلقونها.
إن الأطفال والمراهقين في كل دول العالم يتم توجيههم لأماكن علمية ورياضية وفكرية لتفريغ طاقاتهم وتقويم شخصياتهم وتهذيب سلوكياتهم، وهؤلاء يريدون إرسالهم إلى الجحيم.
الحقيقة، لقد نجح الحوثيون في تجنيد آلاف المراهقين خصوصاً من أبناء القبائل وتعبئة عقولهم بأن ما يقومون به من قتل وعنجهية وبلطجة هو في سبيل الله، وما أن تسأل أحدهم لماذا تركت دراستك يبادر بالرد "أنا مع الله"، فهل يحتاج الله لقاتل أن يكون معه؟! وهل يريد الله بلطجياً صارخاً ليكون قدوة لعباده؟!
إن المتابع لسير المعارك التحررية من قبضة الحوثي الظلامية سيرى كم طفلاً قُتل، وكم مراهقاً تناثرت أشلاؤه، بسبب الاستغلال البشع والتعبئة المغلوطة، بل وبسبب تفريط الأهالي وتشجيع بعضهم لأبنائهم ليكونوا ضحايا وكباش فداء لـ"عاشق الكهف" ومسيرته المنحرفة، وكم يؤلمنا أن نرى تلك المناظر لصغار كان الأجدى أن نراهم في ساحات المدارس والحدائق والمعامل العلمية، يلعبون ويتعلمون، لا أن نراهم يقتلون ويُقتلون.
إن من الواجب علينا بعد أن يتخلص الوطن من هذه الجماعة الكهنوتية الظالمة، أن يضغط بكل قوة لبناء ثقافة وطنية وفكرية ودينية معتدلة تراقبها الدولة ويقومها المجتمع، لنحصن أنفسنا والمجتمع من الوقوع في شرك الجماعات الدينية المتطرفة باختلاف مشاربها، وعلينا أن نعي الدرس الذي قدمه لنا الحوثيون، ولا ننجر خلف كل من يرفع شعارات زائفة وطنية كانت أو دينية، فالإيمان كما يقال هو "قول يصدقه العمل" و نحن رأينا بأم العين أعمال هذه الجماعة.