اليمن من أوائل بلدان الدنيا على ظهر المعمورة، وظهورها على سطح الكوكب سبق ظهور دول وحضارات عديدة لم يكن لها أثر، ولم تكن تذكر في الماضي، ولكننا اليوم ضايعين بين الأمم ولا نكاد نُذكر، وبلادنا في الحاضر الآن أخس بلاد في العالم ولا أحد يعول بها أو يعول عليها أو يعمل لها حساب، وكأننا في الحياة مجرد بلاد خردة لأمة زائدة عن الحاجة!
لم يغرقنا الطوفان، ولم يطمرنا غبار الزلازل، ولم تتعاضد علينا قوى الطبيعة الشريرة، وإنما أهلكتنا حروبنا الأهلية المتكاثرة، وكنا في أوائل الزمن معينيين، وانهارت معين وأصبحنا سبئيين وانهارت سبأ وأصبحنا بين الأمم الصاعدة إلى الوجود أمة تتشكل بلا هوية معروفة بين الناس.
بمعنى آخر نرقد اليوم واحنا أيوبيون، ويتعامل معنا العالم على إننا أيوبيون، ونقوم بكرة وقد احنا فاطميون، ويتعامل معنا العالم على أننا فاطميون، وشوية يفطمونا وقد احنا صُلحيون! ونصحو من نومنا فجأة وقد احنا مرجومين في جحر ثاني واسم ثاني لبلاد ثانية وقوانين أخرى!
ومن الدولة الطاهرية إلى الدولة العامرية إلى الدولة الزيدية إلى الملكية الإمامية إلى الملكية الدستورية وخلال خمسة عقود ونيف من الجمهورية واحنا نتقمبع ما بين شوعية ويسارية ويمينية ووحدوية ودينية ومهلبية وما كودنا نغير أسماء الدول ونغير أسماء الشوارع، ونغير البطائق والوثائق، ونغير المكينة، ونغير أوراق الملكية، ما جعلنا بين الأمم شعباً معزولاً عن العالم وأمة مجهولة الهوية، لا أحد يقيم لنا وزناً، ولا استقررنا على حال، ولا مكثنا عند اسم واحد لبلاد واحدة ولا سبرت لنا دولة إلى اليوم!
وعلى هذا الرحيل عموماً من يوم تكعدلنا إلى الحياة واحنا هاذكُم إحنا، نتنقل من مرقد الى مرقد، ولن تسبر لنا دولة أبداً، ولن يستقيم لنا حال، ولن يحترمنا أحد في العالم ما دمنا على هذا الحال من الشتات وقِلة الصنعة.