ما عد باقي معانا من مباهج العيد غير الكعك وشوية الجعالة التي نشتريها لزوار يتناقصون كل سنة، وكان للأعياد من قبل مواسم مليئة بالفرح وشوارع ضاجة بالحياة وأمنيات تُقال أثناء السلام بعد صلاة العيد كأن يصبح المرء حاجا أو عريسا أو يشتري سيارة مرسيدس.
خلال سنوات الحرب التي مضت لا أتذكر أن هناك ملامح عيد جاء أو ذهب أو كنت في انتظاره! فالأهل والجيران والأصحاب بعيدون وجميعنا مشتتون في البلاد وخارج البلاد نتبادل تهاني العيد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ونقضي أعيادا يتيمة أحزانها أكثر من أفراحها!
أشوف حال الأعياد في بلدان الله وحال الاستعدادات الفرائحية في استقبالها مقارنة بحال الأعياد في بلادنا، وأحوال الاستعدادت الجارية لاستقبالها وأحزن على نفسي وعلى بلادي وعلى أهلي وأصحابي وجيراني وحارتي المتآلفة التي كان للأعياد فيها مرح كبير وسينما وأوقات ممتعة في زحام لبشر يرتدون ملابس جديدة ويمشون في الشوارع بقلوب ملؤها التفاؤل والسرور، لكن الحال لم يعد مثلما كان من قبل ولم يعد لنا من العيد غير اسمه وشوية قلافد مصحوبة معه تُسمى على سبيل تمرير المناسبة مباهج، وهي في حقيقة الحال طنافس صغيرة لا علاقة لها بالبهجة الحقيقية.
في بلدان الله التي لديها هموم متعلقة بإسعاد الناس للعيد مواسم للفرح والسرور واستعدادات جارية على قدم وساق لقضاء أوقات ممتعة في مدن مليئة بالبهجة وفي سهرات فنية متنوعة وعروض مسرحية هنا وهناك ومهرجانات وسيرك ورحلات إلى منتجعات ومتنزهات وملاهٍ وحدائق مائية توفر المتعة للصغار والنقاهة للكبار بأثمان مقدور عليها، بينما العيد في بلادنا مثل حفل اليتيم لا أقل ولا أكثر!
على أن طقوس الأعياد في بلادنا المسكينة باتت مجرد ملابس تُشترى بالعافية وصلاة بائسة يدعى خلالها بالهلاك للأعداء، ومباهج بسيطة تشترى بأثمان باهظة، وزيارات إلى الأرحام بجيوب فاضية، وجلسات مقيل مع من تبقى من الأهل والأصحاب تدار خلالها نفس الأحاديث التي لا جدوى منها ولا طائل من التفكير بها!
وفوق هذا كله يفهم الناس في بلادنا العيد بشكل مغلوط وكأنه موسم لطباعة الزلط، المقوت بسلامة روحه يرفع سعر القات، تقوله ليشي يا أخي؟ يقولك: عيد! والجزار يرفع سعر اللحمة تقوله ليش يا طيب؟ يقولك: عيييد! وصاحب التاكس يرفع أجرة المشوار اليومي المعتاد وتقوله: هيال لموه؟ يقولك: عيد عيد! ويزيد يقرح قلبك لما تشوف ذولاك الناس الذين تسببوا في تعاستنا يتنقلون ببنادقهم ويحضرون لصلاة العيد بكامل عدتهم وذخائرهم وتقولهم: طيب لموه والدنيا عيد؟ يقولوا لك "أعيادنا جبهات!".
وفي بلدان الله عموما يلهو الصغار في أزقة الحواري بالسياكل والجيم والكيرم، ويشترون العصافير والحمام وأشياء أخرى توفر متعا سريعة عدا جهالنا في اليمن غير ولا مثلهم يستقبلون العيد من صبح الله إلى المغيب بالقوارح والطماش وطيلة أيام العيد يومك وأنت مُعيد في جبهة أخرى بلا أغان ولا نغم وما تسمع إلا "قح بُم" حتى لم يعد الواحد منا يعرف إذا ما كانت تلك القوارح في الجبهات أم في الحارة.. وأسألكم بالله بحق هذا العيد الفضيل والخواتم المباركة قلولي هل هذه التي نعيشها في هذي البلاد محسوبة علينا حياة؟ أم أنها مجرد بروفات لحياة بيكمونات متطورة تأكل وتشرب وتلبس وتصلي وتصوم وتلوك القات؟!