كيمنيين لم نعد نأبه بالأحداث التي تولد كل يوم، ولم نعر مآلات الحرب اهتماماً بعد أن ذهبنا إلى ما نحن عليه الآن من لظاها وجحيمها والتحصن خلف الانتظار المفرح لقلوب سكنها الوجع وسقوط الدولة.
حروبنا السابقة كانت نزهة في حضن الدولة وحماية جيشها، وبنزعات سلطوية طغت في النفس البشرية وسكنت في جماعات دينية طابعها البيئي حروب لنصرة الله بعد أن جردوه من صفته وقوته الإلهية، وتم اجترارنا إلى التضحية والدفاع عن أنفسنا كمجتمع ودولة وكيان واحدي في منظومة الوحدة.
حرب اليوم هي أقسى العقوبات التي نتلقاها بسبب تهاوننا بتخطي هوة الانقسامات الحزبية، وأفظع الانتقامات التي تسيدت يومياتنا كمجتمع يقبع تحت سيطرة جماعة الحوثي الدينية الإرهابية، وأبشع صور الحكم الكهنوتي على أطلال الدولة التي كانت تحمينا بشكل يضمن بقاءنا على قيد الحياة، وأقبح ما ظهر في عالم اليوم من ميليشيات زرعت الألغام في كل أسرة وبيت وشارع وقرية ومدينة، إننا نتجرع وجع صمتنا عندما كنا نشاهد القرى تحترق والمدن تسقط على امتداد الشمال من صعدة وصولاً إلى عدن ثم الانحسار والعودة إلى صنعاء بفعل مقاومة الجنوب التي تداركت صمتها وخرجت بصوتها وبنادقها تحرر الجنوب من رجس الإرهاب الحوثي.
هذه الحرب التي لم يسجل في تاريخ اليمن الجغرافي والسياسي والعسكري أية حرب شهدتها اليمن مثل حرب اليوم، لا بتعدد أطرافها المحليين والإقليميين والدوليين ولا بغطرستها ونهشها في الجسد اليمني والإمعان في إهانة وإذلال الإنسان، ولا بسطوة جماعة إرهابية على الدولة والمجتمع كسطوة جماعة الحوثي.
وبعد هذه السنوات الخمس العصيبة من هذه الحرب شاهدنا أصناف المآسي والأحزان، ووجدنا أنفسنا قائمين بلا صلاة في مناطق متبعثرين خائفين حالمين بالعودة إلى بيوتنا حتى وإن كانت خرابة تسكنها الرياح وما تبقى من ديناميت الحوثي على أحجارها كعلامة لقوة البطش والتنكيل.
ذات يوم استبشرنا خيراً عندما تهادى إلى مسامعنا بأن جحافل جيش "هادي" تعد عدة العودة والتحرير، وسمعنا أيضاً تسلح الجيش بمعدات وآليات كافية للسيطرة على نصف الكرة الأرضية وليس فقط تحرير صنعاء ودحر الإرهاب منها، لكن سرعان ما تبدد استبشارنا وتحول إلى كومة دخان تعلو رؤوسنا المحنية، عندما توقف جيش "هادي" في مكانه الذي لم يتحرك منه وأصبح يناور في مكانه دون تحقيق شيء.
وعندما كانت صنعاء تحكمها الإخوة الأعداء، كنا نعتقد أن ليس هناك أمل بالتخلص من أوجاعنا التي قيدتنا، ولم تكن الرؤية واضحة والدخان يملأ مُقلنا، وكنا نعتقد أنها النهاية، وأن لابد من الجحيم مصيرنا الأبدي، قليلاً وشهدنا انتفاضة ديسمبر المشهودة والتي انفجرت وسط البركان وأعلنت عن نفسها محررة يدها أولاً من "كلبشات" الإرهاب الحوثي، وثانياً الدعوة إلى الانعتاق الكامل من مخالب الإرهاب والصحوة بضمير وطني ووجودي يصحح خطأ الماضي والذهاب نحو المستقبل، لكن سرعان ما أوجعتنا قلوبنا مجدداً بعد أن أُخمدت الانتفاضة واستشهد مفجرها وقائدها الرئيس السابق علي عبدالله صالح ورفيقه عارف الزوكا ورفاقهما الخالدون
وعلى خطى انتفاضة ديسمبر تشكلت المقاومة الوطنية وحراس الجمهورية بألوية عسكرية مقاتلة صادقة استطاعت في وقت وجيز تحرير الساحل الغربي وصولاً إلى وسط مدينة الحديدة، ثم توقفت لا من التعب أو للتراجع، وإنما بفعل الضغط الدولي الكبير الذي مارسته الأمم المتحدة بإيعاز من الشرعية اليمنية التي يسيطر عليها الإخوان المسلمون في اليمن ممثلة بحزب الإصلاح الديني.
عندما تشكلت هذه القوات المقاتله مسنودة بالمقاومة الجنوبية، تحرر حلم اليمنيين وأصبح لهم مجال مفتوح يستطيعون أن ينظروا إلى بلادهم خالية من الإرهاب والطائفية والسلالية، وعادت إلى أصواتهم نبرات الجمهورية وعودتها بثوبها الصحيح متجردة من أدران الماضي، واستعدّوا للعودة والبنادق على اكتافهم إلى الشمال، يزرعون في طريقهم الشهداء لتنبت قيم الحرية والسلام وتبقى أجسادهم المدفونة تحت الرمال شاهدة على التضحية والفداء.
تحت الرمال من سقط إلى الأعلى في طريق العودة ومن المحال أن يتوقف الرفاق، ولابد أن يعودوا إلى صنعاء وما بعدها ذلك هو العهد والعهد ميثاق شرف الدماء.