في أي بلد توجد فيه الصراعات والحروب تكون هناك حالة واحدة هي التي تسيطر على مجمل التفاعلات بين الأطراف، إما حرب، وإما تفاوض يعقبه سلام.
في اليمن، هذا البلد الذي يبدو كل شيء فيه من الغرائب العصية على الفهم والمتشابكة أضلاعه الثقافيه والسياسية والاجتماعية إلى درجة أن الحرب التي تطحن أبناءه منذ سقوط الدولة والمجتمع بيد ميليشيات الحوثي الإرهابية لا تزال وكأنها في بداياتها الأولى وطلقات مدافعها الأولى.
يذهب اليمنيون إلى مدى بعيد في الحرب ولا يعودون إلا وكومة الجثث مكدسة في أبواب المدن، هذه المدن وقد أصبحت مقسمة بين أطراف الحرب، شارع بشارع وحي بحي وبيت ببيت، انقسامات أودت إلى ترهل المجتمع في كل حياته ووصلت إلى صلاته ودعائه، انقسامات جعلت البيت الواحد اتجاهات كثيرة وأيديولوجيات متعددة وبنادق مصوبة بين الأخوة أنفسهم وبين الأب وولده، بين الجار وجاره وقد ذاب جليد التعايش بينهم بفعل السياسة والطائفية والعنصرية.
تصل المعارك ذروتها ويكاد طرف سيقضي على الآخر حينها يتفاجأ اليمنيون برياح السلام تهب وتهدأ من رعونة الحرب وصلابة المقاتلين ويتوقف كل طرف عند حدوده التي وصل إليها أو التي حاول الحفاظ على ما تبقى من جغرافية يسيطر عليها.
تبدو رياح السلام التي تنفخ فيها الأمم المتحدة غباراً يصيب عيون الناس لا عيون المتقاتلين، تعطي الناس الأمل الزائف بإحلال السلام وتمنح أطراف الحرب مزيداً من الوقت لاسترداد قواهم المنهكة، كما تفعل مع جماعة الحوثي الإرهابية.
اتخذت الأمم المتحدة من نفخ كير السلام وظيفة تحرق بها أجساد اليمنيين، لا تقدم لهم أي حقيقة يرونها ولا تأبه بأوجاعهم التي نزحت معهم، إنها تجد في هذه الوظيفة قوة تمنحها بأسلوب سخيف لجماعة الحوثي لتحقيق مصالح ومطامع أطراف دولية التي اتخذت من الحوثيين جماعة وظيفية تقوم بدورها باستخدام المتناقضات السياسية.
وهنا يجد الناس كلما حان وقت القضاء على الجماعات الإرهابية كالحوثيين يتفاجأون بمنطق السلام يتصاعد وتتحرك له أروقة الأمم المتحدة ووزارة الخارجية البريطانية، وفي نهاية مطاف هذه التحركات ومساعي السلام لا تقدم شيئاً على أرض الواقع وكأن مفردة السلام أصبحت مرادفة للحرب.
إن ضغوطات الأمم المتحدة لوقف معركة ما كما في معركة الحديدة وإفساح المجال للتفاوض كما في استوكهولم هي، فقط، من محطات ترانزيت للحوثيين لخوض الجولة القادمة من المعارك، وقد تزودوا وأعادوا تجميع صفوفهم كما فعلوا وأصبحوا اليوم يصعدون من هجماتهم على الأحياء المحررة في الحديدة.
دعوات السلام في اليمن هي مجرد سلاح قوي لإشتعال الحرب، وبينما لم تحقق الحرب إلا الخراب والدمار كذلك فعلت مساعي السلام ولم تنتج عنها إلا المزيد من الضحايا، فلقد منح "غريفيث" الحوثيين وقتاً ثميناً باسم السلام للتوسع في زرع الألغام وتفخيخ البيوت والطرقات، وأصبحت زراعة الألغام إحدى المهام التي تدعمها الأمم المتحدة عبر سيارات دفع رباعي ممنوحة لهم مع سبق الإصرار.
من يعتقد أن لغة السلام تختلف عن لغة الحرب في اليمن فهو واهم، ويعاني من صداع مزمن، نحن نخوض معاركنا مع الموت كل يوم جوعاً ومجاعةً وتمزقاً وتهجيراً وتشريداً ولم نرَ إلا السراب والوهم والخداع بلفظ مفردة السلام.
يعتبر غريفيث أن السلام والحرب توأمان لا ينفصلان، وهكذا يتعامل مع الملف اليمني لتحقيق أهداف دولية وإقليمية سيكتشفها اليمنيون فيما بعد بصورتها الحقيقية، على الرغم أن كل شيء قد كُشف ولم تعد تحركات غريفيث سرية في دعم جماعة إرهابية كالحوثيين، وإبقاء حالة الحرب والسلام قائمتين تبطشان في الجسد اليمني ذهاباً وجيئةً.