الجحملية هي أول حارة من حواري تعز تسرب إليها الحوثيون منذ العام 2012 وتصيدوا شبانها وفتيانها العاطلين عن العمل، وقادوهم إلى دورات ثقافية في صعدة غيرت من تفكيرهم وغسلت أدمغتهم، وعادوا من بعدها إلى الحارة شباناً مؤدلجين يحملون السلاح ويؤدون الصرخة في مواجهة أمريكا وإسرائيل وداعش.
وخلال ظرف وجيز امتلأت جدران الشوارع في الجحملية بالعبارات الخضراء، وأصبح هناك طقوس مختلفة للصلاة وللصيام، وأناس غرباء يتنقلون بالسيارات والزوامل والبنادق، وأصبحت المشاكل العائلية القديمة بين فاطمة وعائشة حديث المقايل، وطيلة كل تلك الفترة وعيني ترف وأقول اللهم اجعله رؤيان.
وفي سبيل مواجهة الحوثيين وتحرير الجحملية من فكرهم الطائفي تم تحشيد القاعدة وداعش والسلفيين المطرودين من دماج وكتائب حسم الإخوانية وأنصار الشريعة وأرتال من المجرمين واللصوص وتم تعبئتهم جيداً بأفكار ظلامية، لا تختلف أبداً عن أفكار الحوثيين، وذلك بهدف خوض معركة الخلاص من الحوثة والقضاء على الانقلاب، وجرى ذلك كله طبعاً تحت راية استعادة مؤسسات الدولة وفرض هيبة النظام والقانون!
بعد ذلك التحشيد الهوشلي الذي غابت عنه تشكيلات الجيش الوطني من أساسه، شهدت أحياء الجحملية المتآلفة وازقتها المتلاصقة حرباً طاحنة دارت رحاها من بيت إلى بيت ومن طاقة إلى طاقة استمرت أكثر من عام ونصف تقاتل خلالها الإخوان والجيران والأهل والأصدقاء وتدمر كل شيء، وتحررت الجحملية أخيراً من الحوثة ولم يتم استعادة الدولة ولا مؤسساتها وإنما وقعت الحارة المسكينة من بعد ذلك فريسة سهلة بيد تنظيم الدولة وأبو العباس والشقدوف والملقوف، وفرضوا أحكامهم العرفية على الناس غصباً كل على حدة، وكل على سالف بلاده وسالف القوى التي تحركهم في الميدان.
أثناء وبعد التحرير تم نهب كل المؤسسات الحكومية من قبل جميع التشكيلات المحاربة على اعتبار أنه يجوز مصادرة كل ممتلكات الدولة الكافرة!
وفي المقابل أيضاً تقاسم المنتصرون المحررون غنائم البيوت بما فيها من أثاث ومدخرات وحدث ذلك بدم بارد على اعتبار أن الجحملية حارة زيدية تستحق العقاب!
ولم ينته الأمر عند ذلك الحد من التحرير.. تقاتل السلفيين مع أنصار الشريعة، وحُسم الأمر لصالح أبو العباس، وسيطر هو وجماعته السلفية على الجحملية، وفرضوا أحكامهم العرفية في شوط مروع ضاعف من عذابات ومعاناة من تبقى من أهالي الحارة الكسيرة، قبل أن يشعر الإخوان المسلمون بفداحة الخسارة الكبيرة لتندلع من بعد ذلك معارك ضارية بين خلايا الإخوان النائمة في الجحملية من جهة وكتائب أبو العباس من جهة أخرى، وهي المعركة الأخيرة التي دارت رحاها تحت راية الجيش الوطني برضه! وباسم تحرير الجحملية من المليشيات المسلحة.
حالياً لم يعد هناك في الجحملية أي مظاهر مسلحة لكتائب أبو العباس ولا أي مظاهر مسلحة لتنظيم القاعدة أو كتائب حسم أو أنصار الشريعة، وإنما أصبح هناك بضع نقاط عسكرية لأفراد يرتدون ملابس للجيش الوطني، وقسم شرطة يتيم يحاول جاهداً حل مشاكل من تبقى من الناس بصعوبة ومن دون أية إمكانيات للضبط، وفي الباطن هناك أذرع عسكرية لأفراد مسلحين يتبعون الفندم "صادق سرحان" تشاهدهم يتنقلون في الجحملية بكل هنجمة وزنط فوق أطقم عسكرية مجهزة بكامل العدة والعتاد وعلى ظهرها مسلحون مدنيون بالمعاوز والبنادق والرشاشات والمعدلات، ولديهم مهام لئيمة للسيطرة على بضع من الفلل والبيوت المهجورة لقيادات مؤتمرية فرت من الجحملية والتحقت بالحوثيين.
كلهم تشاوطوا هذه الحارة الموجوعة ونهبوها ودمروها وشردوا أهاليها إلى كل زوة من البلاد، وإلى الآن لم تحضر الدولة التي جرت كل هذه الحرب المدمرة في سبيلها ولا أحد يعرف متى سيكون شوطها، وهناك أطماع لا تزال رهن شهوة قادة التحرير الجُدد الذين يأخذون شوطهم الآن بكل أريحية وتحت اسم وراية الجيش الوطني واستعادة هيبة الدولة!
ومن الواضح جداً أن حظ الجحملية بين كل هؤلاء الجن على نحو المثل الشعبي الشهير "من طاهش إلى ناهش إلى قباض الأرواح".