ليتخيل أحدكم أنه في منظر جوي لمشاهدة حارة الجحملية من علو. الأمر محزن للغاية ومثير لاكتشاف مهرجان اللصوصية الكبير.
انسوا دمار القذائف وصواريخ الطيران التي تساقطت على رؤوس الناس من الجو، وانسوا مآسي الحرب التي دارت في الأرض من بيت إلى بيت ومن زقاق إلى زقاق بين أهل وأخوة وأصحاب وجيران، وانسوا للحظة واحدة أيضا بأن الحوثيين هم السبب وأنهم الذين جلبوا الدمار لليمن بأكملها، وتعالوا نتكلم قليلاً عن مهرجان السرقة الكبير الذي حدث في الجحملية من بعد التحرير!
غالبية بيوت الجحملية نمط معماري قديم ارتكز على الأخشاب وبعض من البيوت الجديدة من نمط معماري مسلح بالأسمنت والحديد، وداخل كل بيت أثاث ومقتنيات متفاوتة الكُلفة.. والمعروف أساسا أن غالبية أهالي حارة الجحملية موظفون بسطاء كابدوا في سبيل مراقدهم وفروا أثناء اشتداد المواجهات نازحين إلى كل زوة تاركين كل شيء خلفهم على أمل انتهاء الحرب والعودة إلى الديار مواطنين يمنيين.. لكن الذي حدث أثناء تطهير الجحملية من الحوثة أمر مخيف ومروع وقدم السرقة على أنها فن من فنون التحرير!
تقول فئران؟ تقول سناجب؟ تقول رُباح؟ تقول جراد في مهمة مُريحة لقرش الأخضر واليابس؟ لا أعرف أي تسمية يمكن اعتمادها لوصف إبداعات مهرجان اللصوصية الكبير.
البيوت الاسمنتية التي ضربها الطيران فصفص رجال الله كل ما فيها من حديد وأحجار وبلاط وأثاث، وباعوا كل اللقيات التي عثروا عليها بين الركام في الحراج أولاً بـأول!
والبيوت القديمة المسقوفة بالخشب التي أصابتها القذائف من الجو أكمل رجال الله الذين سيطروا على الجحملية من بعد ذلك مهمة تدميرها للطرف وطرحها أرضاً، وسرقوا الأخشاب والأبواب والنوافذ والحنفيات والوايرات والبلاط وباعوا كل شيء في الحراج برخص التراب.
والبيوت السليمة التي لم تتأذَ وهجرها أهاليها خوفاً من المواجهات المجنونة في الأزقة الضيقة غالبيتها تم سرقة الأثاث من داخلها هي الأخرى، وتم إنزال أسقفها يدوياً إلى الأرض وسرقة الأخشاب والأبواب والنوافذ والقمريات وكانت الدينات وبوابير النقل الكبيرة تدخل إلى حارة الجحملية في أيام التحرير فارغة وتغادرها محملة بكل شيء في طريقها إلى الحراج!
ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد من اللصوصية الكبيرة طبعاً، أصبحت بيوت أهالي حارة الجحملية من أرخص البيوت في تعز، والذي معه شوية زلط ويتاجر بالعقارات وجد في كثير من تلك البيوت المهجورة التي شعر أهلها بصعوبة العودة إليها مغرماً كبيراً للشراء بأرخص الأثمان!
وحتى بعض المسؤولين والقادة الذين شعروا بأن لهم الفضل في تحرير الجحملية من الحوثة وجدوا في بيوت المسؤولين السابقين الذين تحوثوا أو كانوا من أنصار المؤتمر الشعبي العام مغنماً كبيراً، وجرى البسط على عدد من تلك البيوت كمكافأة متواضعة لجهودهم الجبارة في حماية الوطن من الأعداء!
الحوثيون الذين يسمون أنفسهم أنصار الله سرقوا الجحملية من بيئتها المحلية وحاولوا جعلها حاضنة تعزية لهم ولأفكارهم ومعتقداتهم الطائفية عبر مشروعهم المدمر للطاقات وفشلوا بذلك وعرضوا أهالي الجحملية لمصائر قاسية، ولكن رجال الله الذين اجتاحوا الجحملية وخاضوا الحرب المقدسة في سبيل إعادتها إلى بيئتها المحلية وعقدت عليهم آمال التحرير سرقوا الجحملية من الحياة برمتها وقشقشوا كل معالمها وجعلوا أهاليها مشردين إلى اليوم في كل قرية ومدينة من البلاد، ومش بعيد بكره بعده نسمع أن حارة الجحملية بأكملها معروضة للبيع في الحراج!
ايعقل ان تصير حارة بأكملها في ظرف تحرير مُعقد نهباً مُشاعاً بشكل مهول وبطرق ابتكارية لا تشير إلى أن الذين قاموا بتلك الأفعال اللصوصية أوادم يعرفون الله والرسول أو أنهم مُحررون عيال ناس دفعهم الحس الوطني والإنساني لتخليص تلك الحارة الكبيرة العتيقة من إجرام مليشيات الحوثة!
ويبدو الأمر مشابهاً تماماً لما حدث لصنعاء في قديم الزمان عندما اجتاحها الإمام وجعلها نهباً للقبائل، وذلك هو ما حدث للجحملية في هذا الزمان المرير، وأجزم أن اليمن كلها خلال هذه الحرب الملعونة لم تعرف لصوصاً منحطين بانحطاط اللصوص الذين سرقوا الجحملية وجعلوها كعصف مأكول!