يا رب يا خالق الناس أجمعين، كنا مواطنين نعيش بسلام في حارة متآلفة بمدينة تعز اسمها الجحملية، وكان الزيدي والشافعي والسني والشيعي والتركي والحبشي جميعهم يصلون لك صلاة واحدة ضامين ومُسربلين، وما بيننا إلا كل محبة وخير واحترام وتقدير، وكنت أنت وحدك رب الناس كلهم.. وفجأة يا الله أصبح الطريق إليك مغشوشاً وشائكاً وكله أخزاق ومتاهات مربكة!
أصبح لدينا في الجحملية يا رب، جوامع سُنية لها طقوسها المختلفة في العبادات ومتدينون لهم لحاهم الخاصة وملابسهم القصيرة ووسائلهم الغريبة لتربية المجتمع، وكل من يخالفهم يقولون عنه بأنه زنديق خارج عن الملة وعن دين الله وسنة رسوله الكريم! كما وأصبح لدينا في المقابل أيضا إخوان مسلمون من حزب الإصلاح لديهم خطابهم الخاص داخل الجوامع ولحاهم الحمراء ومعتقداتهم الخاصة من الكتاب والسنة ووسائلهم لتربية المجتمع وكل من يخالفهم أو ينتقد سلوكهم، يسفهونه يا رب ويشنعونه ويكفرونه ويخرجونه معردسا من الملة ومن دين الله!
وبمرور الوقت يا الله، أصبحنا نلحظ أن هناك في الحارة شبانا عاطلين عادوا من أفغانستان وقد أطلقوا اللحى وحفوا الشوارب وصعدوا إلى المنابر في المساجد وأصبح لهم أسماء غير التي نعرفها، ولديهم توجهات قاعدية في طقوس الصلاة وفي العبادات، ولهم وسائلهم الخاصة لتربية المجتمع، ومعتقداتهم المختلفة لتسيير شؤون الناس، وكل من يخالفهم الرأي يمارسون عليه الترهيب ويقولون بأنه خارج عن الملة، ويصل الأمر بهم أحيانا إلى القتل في سبيلك يارب العالمين!
وأخيراً جاء إلينا الحوثيون من صعدة مبندقين ولديهم معتقداتهم ووسائلهم لتربية المجتمع، وقالوا لنا بصريح العبارة بأننا كنا في ظلال وأنك وليتهم علينا ليهدونا إلى صراطك المستقيم، وأنهم الأولى بإدارة شؤون حياتنا، وأن الرسول الكريم جدهم لزم، وأن علينا كمسلمين اتباعهم والانصياع لطقوسهم في العبادات، ما لم فإننا دواعش خارجون عن الملة!
تجمع إلى حارتنا المتآلفة من بعد ذلك الدواعش وأنصار الشريعة وتنظيم الدولة لمحاربة الحوثيين الروافض الخارجين عن الملة، وأصبح هناك لدينا في الجحملية خلال ظرف وجيز شغمة من الاله وكل واحد، في كل فصيل، يقول بإنه الوكيل الحصري الوحيد للإسلام، وحدث لنا ما لم يكن في الحسبان وما لا يتصوره عقل بشري يا رب.
كلهم مسلحون ملتحون شرسون عاطلون بلا عمل جاءوا من كل مكان ليهدونا إلى الصراط المستقيم، ولكنهم لم يتفقوا فيما بينهم بشأن وحدانيتك يا رب وكل واحد منهم معه خزق خاص يؤدي إليك، واقتتلوا كلهم فوق رؤوسنا داخل الحارة بكل أنواع السلاح يا رب، ودمروا كل شيء، وشردوا كل الساكنين وأدخلونا في جحر الحمار الداخلي!
حنبنا بهم يا رب، وما عد درينا من نصدق منهم؟ وأي إله نتبع فيهم؟ إله الحوثيين مثلا؟ وإلا إله السلفيين؟ وإلا إله الإخوان المسلمين؟ وإلا إله القاعدة؟ وإلا إله داعش؟ وإلا إله تنظيم الدولة؟ وإلا إله أنصار الشريعة؟ وإحنا أمة واحدة مسلمة نوحدك أنت ولا نعبد إلها سواك، لكنهم جميعهم يا رب أهانوك بأفعالهم وأنت منزه عن الشرور، وشرذموك بين خلائقك يا رب وأنت واحد أحد! وجعلوك غريبا بين عبادك يا الله وأنت نور السماوات والأرض!
كلهم يا رب قتلونا باسمك! وسرقونا بحجة هدايتنا إليك! ودمروا بيوتنا ومستقبلنا ومستقبل أطفالنا متكئين على الكتاب وعلى السنة وجعلوا منك إلها مطواعا للقتلة وللصوص وأنت الرحمن الرحيم! وكلما قلنا لهم يا رب إنك إله رحيم وأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال للرحمن الرحيم رب العالمين أن يتورط بتلك البشاعات مع جماعات كتلك، يرهبونا بشتى الوسائل ويقولون بأننا عصاة ونتحول نحن المخطئين في المجتمع ونحن الذين نسيء إليك بينما هم عبادك الصالحون؟!
شخصياً أنا أنزهك يا رب يا خالق كل الناس من أن يكون لك دخل في كل ما جرى ويجري، وأحمل المسؤولية الكاملة على رجال الدين وعلى منابر الصلاة وعلى مناهج التعليم وعلى موروثنا الديني الذي يحرض على القتل ولا يشجع على التعايش والتسامح بين الخلائق مع أن الإسلام دين الرحمة ومع أن محمد رسول الله جاء ليتمم مكارم الأخلاق!
وأسألكم بالله يا كل المسلمين في كل الأرض، جاوبوني بكل أمانة وصدق إن كنتم تحبون الله ورسوله وقولوا لي بحجر الله وحجر الرسول، أين الرحمة من كل هذا الدمار الذي نعيشه؟ وأين هي مكارم الأخلاق مما هو حاصل الآن؟ ما فيش شكل من أشكال الموت ولا شكل من أشكال اللصوصية ولا شكل من أشكال الخرافة والتجهيل إلا ومورس ضدنا في الحياة من قبل تلك الجماعات، وكلها حدثت باسمك يا الله وباسم رسول الكريم! وما فيش رذيلة في الحياة يارب إلا وشاهدناها جهرة على يد هذه الجماعات الدينية المتطرفة التي جعلتنا على هذا الحال من الشتات والاقتتال فيما نحن في الأصل أهل وأخوة وجيران وأبناء بلد واحد وأبناء أمة واحدة، وربنا في السماء واحد، والطريق إليه بسيط جدا ولا يحتاج إلى مفسرين ولا إلى مقاتلين ولا إلى عباقرة ولا إلى مرشدين ولا إلى كل هذا الخراب والاقتتال باسمك يارب العالمين!
وما أعرفه ويعرفه كل إنسان يحب الله مصلي على النبي أن الدين في خلاصته وجوهره هو المعاملة الحسنة فقط ولا سواها، وأن غاية الأديان كلها إسعاد الناس وإرشادهم إلى العيش الكريم مش جعجعتهم وقتلهم وسجنهم وتدمير طاقاتهم في حروب الإله المتكاثرة، ويكفي يا أخي المسلم ويا أختي المسلمة ويا إخوتنا في البشرية كلها أن نحسن من التعامل مع الآخر فقط وأن نحترم حق بعضنا بعض في العيش بسلام وكرامة كأوادم نفخ فينا الله من روحه، وذلك لوحده كفيل بمرضاة الله وللفوز بالجنة المأمولة.