الحمد لله معانا في حارتنا الصغيرة بالجحملية جار جديد مبندق يقوم بمهمة وطنية كبيرة لحراسة البيت الذي غنمه فاتح الأندلس!
جارنا الجديد الحبوب قائد عسكري كبير معروف حرر الجحملية من مليشيات "أبو العباس" وبسط نفوذه على فيلا صغيرة كانت من قبل بيتاً لأحد القيادات المؤتمرية السابقة التي فرت من الحارة أثناء الحرب، وسكنت نيابة عنها عائلة نازحة وجدت في جناح من تلك الفيلا المهجورة مأوى لها داخل غرفتين صغيرتين في الحوش استترت داخلهما بعد أن دمرت الحرب مسكنها المتواضع في أزقة الجحملية.
للحرب ظروفها الخاصة على كل حال، ولجارنا الجديد الحبوب فاتح الأندلس جنود بواسل حرروا، دون هوادة، تلك الفيلا الصغيرة من تلك الأسرة النازحة وطردوها من ملحق الحوش الصغير شر طردة، شاهرين في وجوههم السلاح والصوت الرافع المهدد الزناط المستهتر، ودشن القائد المغوار فاتح الأندلس مجورته الجديدة معنا في الحارة الصغيرة المسالمة بذلك العمل البطولي الذي يليق بقائد عسكري كبير يقول إنه يخوض حرب تطهير مدينة تعز من المليشيات المسلحة الخارجة عن النظام والقولون!
في حارتنا المهجورة الآن حارس غريب لا أحد يعرفه، يتصرف داخل الحارة المدمرة بكل أريحية مثل قروي غانم ظافر، يغلق ويفتح أبواب الفيلا الحديد التي في الجوار بقوة مسموعة، ويبدو في تحركاته اليومية في الحارة مثل سجان يعيش وراء بوابة مغلاقها مذحل وهو حارس ناحل قاحف الساقين يرتدي الجاكيت المموه والمعوز القصير إلى فوق الركب والآلي معلق فوق كتفه طيلة الوقت!
وفي النهار يلثم الحارس الهمام وجهه بمشدة رأسه الغبراء وفي العصر يلوك القات داخل عظم عمارة قريبة وفي الليل، والحارة كلها ساكنة وهادئة مثل صمت مقبرة، لا تسمع لمن تبقى من سكان الحارة الأصليين أي صوت داخل بيوتهم المطفأة، عدا صوت الحارس في بيت جارنا الجديد الحبوب فاتح الأندلس هو لوحده فقط الذي لا يتوقف عن الكلام بصوت رافع دون أن يخطر في باله، مثلاً، أن هذا إزعاج لأهل الحارة! ولا عنده أي إحساس بأنه غريب في الأندلس!
ومش كذا وبس، الحارس الهُمام في بعض الأحيان يضبح من الجلسة وحده، ويعزم مُفصعين من حق البلاد يجوا يسهروا عنده في بيت الغنيمة ويقوموا، جميعاً، بحراسة الثورة في الليل بأصوات مرتفعة، وتسمع وأنت جالس داخل بيتك مجابراتهم وضحكاتهم ومكالماتهم الهاتفية وأخبار المعارك في الجبهات وآخر المستجدات على صعيد الغنائم التي في الأندلس!
من صغري أعيش في هذه الحارة، وأعرف ذلك البيت المبسوط عليه جيداً، وأعرف كل الذين تعاقبوا على السكن فيه، قضاة وقادة حزبيين وعسكر معاهم حراسات وسيارات وعوائل تعايشنا معهم بسلام وتجاورنا بمودة ولم نسمع لأحد منهم أي صوت لا في الليل ولا في النهار، وكلهم في الغالب كانوا أناساً مرموقين يعظمون الجار.
اليوم وبفضل تطهير الجحملية من الحوثة ومن المليشيات الخارجة عن النظام والقولون أصبح لدينا في الحارة الصغيرة جار جديد نافذ لم يؤجر الفيلا التي بسط عليها لأحد حتى الآن وقيل إنها ستكون سكناً لأحد أبنائه الأعفاط الذين خدموا تحرير تعز بطريقتهم الخاصة، ولا أعرف عموماً كيف ستكون مشاعر جار غريب دخل إلى الحارة متنفذاً بسلاحه وأفراده كأي قائد عظيم فتح الأندلس!
لا يهمني الآن مصير الفيلا على أية حال، ولا يهمني أمر الحارس القروي الذي يؤدي وظيفته على أكمل وجه، لا أقل ولا أكثر.. وإنما يهمني بكل تأكيد أمر جارنا الجديد الحبوب فاتح الأندلس، وأتمنى أن يسكن هو شخصياً داخل تلك الفيلا التي تقع بالجوار تماماً إلى بيتنا في الحارة التي تم الدخول إليها بنفس العقلية والذهنية التي دخل فيها جيش المسلمين إلى الأندلس.
أعتقد أني سأكون محظوظاً جداً بصراحة إذا ما سكن فاتح الاندلس شخصياً داخل الفيلا المبسوط عليها، ذلك لأني سأشاهده يومياً صبح مساء وهو يدخل ويخرج ويتمشى مع مرافقيه في زقاق الحارة الضيق كأي قائد كبير غنم وظفر ولم يقرأ التاريخ جيداً ولا يعرف الأسباب التي أدت لضياع الأندلس من يد العرب فيما بعد!
ولا أعرف تحديداً إذا ما كان جارنا الجديد الحبوب فاتح الأندلس "الله يفتح علوه" سيعامل أهل الحارة وسكانها الأصليين بلطف ومودة كأي جار محترم؟ أم أنه سيعاملنا -لا سمح الله- كغرباء شأنه بذلك شأن حارسه الهمام الذي يتمشى بين السكان الأصليين ببندقيته ولديه شعور جارف بأنه الرجل الوحيد في الحارة المهجورة؟!