فكري قاسم
عندما يصبح العَلم الوطني مجرد خرقة بالية مكسورة الناموس!
من سنة 2014 وأنا أتنقل داخل بلادي الكبيرة في كل طريق، على الأقدام أو فوق السيارة، وأشوف علم الجمهورية اليمنية يهتان ويتبهذل في الشوارع وفوق الأبنية الحكومية وفي النقاط الأمنية الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثيين الذين وضعوا شعاراتهم بدلاً عنه، وتعاملوا معه لكأنه مجرد خرقة صريعة لا تساوي شيئاً أمام خرق الصرخة الصاعدة، ولطالما حزنت على علم بلادي المُهانة من إيران الفارسية التي لا أحبها لأنها لم تقدم لبلادي شيئاً أكثر من أنها أشعلت الفتنة في البلاد وجعلت فتية من اليمنيين يستقوون على إخوتهم بالسلاح، وجعلت راياتهم خفاقة على حساب الراية الوطنية الأم.
وخلال الحرب الدائرة في البلاد تنقلت نازحاً في أكثر من مكان حتى استقر بي الحال مؤخراً في عدن الحبيبة، وهناك شفت علم الجمهورية اليمنية أيضاً وهو يهتان ويتبهذل في الشوارع وفوق الأبنية الحكومية التي سيطرت عليها قوات المجلس الانتقالي في جنوب البلاد، وتعاملت مع علم الدولة الوطنية التي لا نزال جميعاً رعاياها بتعالٍ ومن دون أية مروءة، بينما شاهدت علم الإمارات الشقيقة رافعاً نظيفاً يقاسم علم دولة الجنوب السابقة العيش والملح، ويحظى بالرعاية والدلال، وغبطت علم الإمارات، وشعرت بالحزن وبالمرارة على راية بلادي الوطنية المهانة!
وخلال هذه الحرب اللئيمة العابثة أيضاً شفت علم الجمهورية اليمنية ذليلا مهانا واقفا وراء تجمعات حكومة الشرعية الهزيلة كأي علم مكسور ناموس يتدثر به وفرة من الخائبين عديمي النفع، قليلي الصنعة، كثيري الوضاعة، بينما شاهدت من التلفاز علم المملكة الشقيقة يرفرف شامخاً في الفنادق التي يعيشون فيها، وحسدت علم السعودية وشعرت كمواطن يمني ينتمي لتراب هذه الأرض الطيبة بالحزن على علم بلادي المهان في الداخل وفي الخارج!
ما أسوأ أن يشاهد المرء راية بلاده الوطنية وقد أصبحت بفضل أبنائها "الشواعة" مجرد ممسحة في بلاط الجيران والأصحاب والأصدقاء الذين قايضوا بلادهم الكبيرة بأطماع صغيرة لن تجعل أحداً منهم كبيراً، وها هي كل الرهانات تسقط ولا مجال لأن يكون لقطر الصغيرة شواعة يتنشفون بعلم الجمهورية اليمنية فيما هم بالأساس يتدثرون تحت وعلم دولة قطر التي تخوض حرب تصفية حساباتها مع السعودية والإمارات في مدينة تعز.
وما أمرّ أن يعيش المرء حياة ضنكا داخل بلاده الممزقة وليس لديه من ضمار غير وطنه، ويشاهد رايته الوطنية وقد أصبحت مجرد خرقة بالية مشنترة مليئة بالغبار ترفرف من دون زهو فوق أبنية خربانة ومرافق حكومية مهدمة، وذلك بحد ذاته أمر محبط ومحزن مثل حال بلاد محبطة وحزينة بلا راية وطنية جامعة!
الأكثر إيلاماً وحزناً بصراحة أن تصير رايتك الوطنية التي شمخت في علياء السماء بعد أنهار من الدماء محل نزاع غبي سخيف على أطماع قسّمت البلاد والعباد، وجعلت من بلادك الغنية الثرية مقبرة كبيرة تُشيع فيها جثامين أبنائها كل يوم تحت رايات مختلفة خفاقة في سماواتها، وذلك أمر كافٍ لأن يبكي المرء على حال بلاده الكسيرة وأن يحزن كثيراً على راية بلاده المنكسة!
وبالأمس، فقط، بينما أنا هارب في الشارع من المواجهات التي اندلعت مجدداً بين قوات الحكومة الشرعية وقوات المجلس الانتقالي في عدن شاهدت علم الجمهورية اليمنية يرفرف في أيادي بعض المارة في الطريق، وبكيت من الفرح لمشاهدته، وكنت مشتاقاً له بشدة، وأشعر باليتم بدونه. ولا أعرف على أية حال متى سيعاود علم الوحدة ثلاثي الخطوط الرفرفة بشموخ مجدداً في شوارع صنعاء عاصمة اليمن الواحد الكبير دون أن تكون هناك رايات أخرى تنافسه أو تجعله مجرد خرقة مرجومة بين زحام رايات وشعارات الصرخة التي أدخلت الفتنة إلى كل بيت ومدينة في البلاد.
بالنسبة لي أتمنى من كل قلبي فقط أن تكون الحكومة الشرعية جديرة بحمل تلك الراية الوطنية الجامعة لكل اليمنيين شمالاً وجنوباً، وأن تصحح مسارها وتختار شخوصها بعناية لكي تحظى بالتأييد والاحترام والتقدير وأن لا يظل علم الجمهورية اليمنية في يدها مجرد خرقة ملونة تتدثر بها شرعية خائبة مكسورة ناموس تنام وتصحو كل يوم تحت راية أخرى ترفرف بشموخ هناك في فنادق الرياض.