فكري قاسم
اسكن أنت وجُهالك في بيت من الشعر يا أستاذ مهدي!
يا أستاذ مهدي أمين سامي، أنا والله زعلان لما حدث من سطو على بيتك في المجلية من قبل بلاطجة سلطة الأمر الواقع في مدينة تعز، ومش داري كيف أتضامن معك!
لأني أصلاً مواطن مثلك أعاني من ذات الأمور البلطجية. بيت جدي الذي ولدت وعشت وترعرعت فيه مدمر ومسروق، وحصتي من ميراث والدي، رحمه الله، "شقة صغيرة من غرفتين وحمام ومطبخ في عمارة قديمة صغيرة هي ضمار سبعة أخوة لهم أبناء وأحفاد وأحلام" هي الأخرى دمرتها الحرب، وحارتي الجحملية العتيقة خرابة مهجورة مسروقة بعناية فائقة، وأنا وعائلتي الصغيرة نازحون ننتظر متى تهدأ الأوضاع وتتحرر تعز لنعود ونمارس حياتنا الطبيعية وسط الخراب.
وأمام هذا الكم الهائل من الدمار والله ما أنا قادر أتضامن حتى مع نفسي وبيتي وأهلي وجيراني! وعندما يكون الأمر متعلقاً بي شخصياً أفقد القدرة على الكلام وأصير إنساناً أبكم أعجم، ولكني لن أخذل صاحبي الموجوع على بيته في حارة المُجلية وسأكتب من باب إسقاط الواجب، فقط، وقناعتي الشخصية أن سلطة الأمر الواقع في تعز قليلة الحياء كثيرة التنطع والكذب واللصوصية والاستهتار ولسانها أطول من سور الصين العظيم!
زمان يا استاذ مهدي، أيام الرئيس الراحل علي عبد الله صالح "الله يرحمه" كان للكتابة ضد البلطجة والفساد تأثير ملموس وكان للصحافة مهابة، واستطعنا كصحفيين معارضين للنظام وللحزب الحاكم أن ننتصر لكثير من قضايا الناس بأقل كلفة، وكانت السلطة محترمة في التعامل مع ما يكتب وما يُطرح وما يقال في الصحف، وكان النظام على الرغم من سيئاته يستمع للنصح ويجاوب نداءات المتضررين أيا كانت انتماءاتهم، وكان الحزب الحاكم يغالط الناس في الانتخابات ولا يغالط عندما يكون الأمر متعلقاً بقهر الأوادم أو بسرقة بيوتهم أو ممتلكاتهم الخاصة أو برواتبهم أو بمصادر لقمة عيش أطفالهم، ومع هذا كنا ننعت ذلك النظام وذلك الحزب وذلك الرئيس بأنهم أدوات فاسدة لا تصلح لبناء وطن متماسك، ومع هذا كنا عايشين ومتعايشين معهم وأمورنا سالكة، وأحوالنا جيدة، وبيوتنا مصانة، وحقوقنا المنتهكة التي نلابج بشأنها بسيطة وغير معقدة، والدنيا عوافي.
أما اليوم يا صاحبي، كلم جداراً يمكن أن يسمعك.. كلم حماراً يمكنه أن يفهمك، كلم ميتاً داخل قبره يمكنه أن يتأثر لأجلك، أما أن تكلم إخوان سلطة الأمر الواقع في تعز فذلك هو الذي يفطر القلب ويفقع المرارة ويسبب أمراض قرحة المعدة والبواسير، ذلك لأنهم في الأساس جماعة هورة وجشعة وطمعة وشرهة بشكل غير متصور ولو معك في حوش البيت "ضفعة" كبيرة يمكنها أن تصلح سماد لتغذية سمبلة، في كل سنبلة مائة ضفعة، حرااام أنهم لا يسرقوها عليك من تحت جحر البقرة باسم الله وباسم الدين وباسم الوطن وباسم تحرير تعز من ضفعة الحوثي!
ولا عاقل في جماعة الإخوان بوسعه أن يقول لمجاميع النهاية المتدثرين بعباءتهم، هذا عيب، وهذا غلط، وهذا لا يصلح، وهذا يسيء لسمعة المقاومة، وهذا يسيء لسمعة الله ولسمعة الرسول ولسمعة الإسلام ولإرث المدينة المحاصرة التي قدمت قوافل من الشهداء في سبيل الانتصار للدولة ومن أجل الحرية والكرامة وحماية حقوق الناس من عبث المليشيات السلالية العنصرية، ولا فائدة من الهدار معهم، ذلك لأنهم مجرد مجاميع من اللصوص المزدوجين الذين ابتلينا بهم في هذه المحافظة الطيبة كعقاب حقيقي لاستبدال جرعة عشرة سيسي من فساد نظام الرئيس صالح بقربة فاسدة لا تداوي مريضاً، ولا تشافي عليلاً، ولا يمكن لها بأي حال من الأحوال أن تبني وطناً أو تصون كرامة إنسان أو تعيد حقاً منهوباً لأصحابه وكيف لناهب، أصلاً، أن يشعر بالمنهوبين.
وأما ما هو مغنمهم في بيت الأخ والصديق الأستاذ مهدي أمين سامي، الذي كتب في امتداح ميلاد الرسول محمد أطول قصيدة شعر مؤلفة من مائة بيت؟ الله أعلم وأدرى! الواضح حتى الآن أن لسلطة الإخوان حساباتها الثورية لتحرير تعز وفك الحصار عنها وهي حسابات معقدة على أية حال وداخلة فيها إيران والإمارات والسعودية وقطر وتركيا وعائشة وفاطمة وأبوبكر وعلي وعمر وعفاش والانتقالي واللواء 35 وأبو العباس وأبو ولد وسمن البنت وزيت الخروع والحبة السوداء والسوق مربح للأمانة، والبلاد سائبة، والتحرير بضاعة مناسبة للاتجار والثراء والنصر بعيد وأبطال التحرير في سلطة الأمر الواقع، لصوص يقطون المسمار ويسرقون الكحل من العيون في وضح النهار، وما على الأستاذ مهدي إلا أن ينتع له من معلقة امتداح الرسول العظيم بيتاً من الشعر صالحاً للسكن، يأوي إليه وهو وجهاله، ويعيشون أيامهم الصعبة متحمدين الله على نعمة الإسلام وعلى نعمة تحرير مدينة تعز من طاهش إلى ناهش إلى قباض الأرواح.