مما يُكثر بعض الأصدقاء والكتاب الضجيج حوله بلا مسوّغ منطقي؛ وكأن مشاكل العالم قد حُلّت ولم يبق إلا أن نسقط «قَوَامة الرجال على النساء».. مع أن المسألة سهلة وبسيطة وهي موجودة في المجتمع البشري منذ فجر التاريخ.
والقرآن لم يتحدث عنها كتشريع واجب وإنما تناولها كجانب إرشادي لإصلاح شأن الأسرة.. لا يَخْرُج مَنْ تركه من الدين ولا يَدْخل من فعله فيه.
وإذا كان أحد من الناس قد استغل ما جاء في القرآن لترسيخ عادات وتقاليد وإلحاق الأذى بالمرأة وإهانتها، أو سوّغ به أحكاماً وقوانين للانتقاص من حقها، فتلك مشكلته هو، نحاسبه جميعاً عليها، وليست مشكلة القرآن ولا مشكلة الدين.
ففي موضوع القوامة، نجد أن لـ المرأة في القـرآن حالتين: فإما أن تكون خارج إطار العائلة، أو تكون جزءاً منها:
1- إذا كانت خارج إطار العائلة، فهي مسؤولة عن نفسها، في ظل ﴿وكل إِنْسَانٍ ألزمناه طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يوم القيامة كتابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا﴾، وقد جاء في القرآن أن المرأة حينما تخرج من إطار الزوجية تكون هي المسؤولة عن نفسها، فقال: ﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أنفسهن بالمعروف﴾، حيث انتقلت من الالتزام العائلي إلى المسؤولية الشخصية.
2- أما إذا كانت جزءاً من عائلة، فإن عليها أن تلتزم بنظام العائلة، كل حسب دينه وتشريعاته.
وقد أرشد القرآن إلى أن القوامة على شأن الأسرة مسؤولية أخلاقية يتحملها الرجال «الآباء في حال الأبوة، والأزواج في حال الزوجية»، فـ ﴿الرجال قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ، بِمَا فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَبِمَا أنفقوا مِنْ أموالهم﴾.
فالقَوامة تعبير يدل على الرّعاية لا التسلط، وهي في نفس الوقت تكليفٌ وليست تشريفاً، ولا منّة من الرجال على النساء، فقد أعطوا مقابل ذلك جلداً في الأجسام وزيادة في الميراث.
كل ذلك «إرشاد» من القرآن لما يُصلح حال الأسرة، وليس ركنا في الإسلام لا يقوم الدين إلا به، أو أنه لا يمكن للمرأة أن تكون قيّمة على أسرتها.
فقد يكون رجل هذه الأسرة ضعيفاً أو مُتَخلفاً، بينما تكون امرأته أو أخته أو ابنته أقوى منه وأقدر، وإذا انتقلت عِلّة الحكم انتقل الحكم معها، على أن تكون كل حالة بخصوصها، ويبقى الأصل كما هو، لا يجوز أن يُلغى أو يجرّم، إذ لا يزال صالحاً لأكثر أهل الأرض، والتشريع يأتي للعموم وليس لحالات نادرة.
فمن كان له آراء واجتهادات تجعل من القوامة مصادرة لحريات وحقوق المرأة، أو يعتقد أن الرجال مفضلين لكونهم ذكوراً؛ فتلك مشكلته هو وليست مشكلة القرآن الذي حسم الامر بـ: ﴿أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾.
ومن يستغل القوامة الأخلاقية ليحولها إلى طغيان أسري أو يشرّع بها ما يؤذي المرأة، فلا بد من مقاومته؛ بل نزع الأهلية عنه بسبب طيشه وتعسفه؛ فالله إنما يأمر بالعدل والإحسان ولا يرضى بالمنكر والبغي.
ولسنا قط مع من يريد أن يشرعن لحالة الفوضى في الأسر حتى تصبح مفككة على النمط الغربي البائس، الذي تُفْصل فيه المرأة عن أسرتها وتترك في بيداء الحياة بمفردها، فتصبح عرضة للإساءة والاستغلال.
ومن أرادت من النساء أن تكون كذلك، فلتكن كما تريد، وتُخلي مسؤلية الأسرة عنها، وتتحمل تبعات خيارها.. وليس لها أن تطالبنا بتغيير شريعتنا لتتناسب مع مزاجها، فالشريعة لمن أختارها وألتزم بها لا لمن أعرض عنها وتركها.
بعد حديث القرآن عن القوامة في السياق الذي شرحنا، ذكر أن لهن - في إطار الزوجية - ثلاث حالات، بين كيفية التعامل مع كل منها:
1- ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلغَيبِ بِمَا حَفِظَ الله﴾، وهذا هو الأصل، فكل امرأة طبيعية تفضل أن تكون جزء من أسرة مستقرة، يلتزم كل فرد فيها بما يتعين عليه.
2- ﴿واللَّاتِي تخافون نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ، واهجروهن فِي المَضَاجِعِ، وَاضرِبُوهُنَّ، فَإِن أَطَعنَكُمْ فَلَا تَبغُوا عَلَيهِنَّ سَبِيلًا﴾؛ لأن الغرض إنهاء التمرد وليس العقوبة أو الأذية.
3- ﴿وإن خِفتُم شِقَاقَ بَينِهِمَا، فَابعَثُوا حَكَمًا مِن أهله وَحَكَمًا مِن أهلها، إِن يُرِيدَا إِصلَاحًا يُوَفِّقِ الله بينهما﴾، لأن النشوز إذا تطور إلى شقاق فإن حياة الأسرة تصبح جحيماً.
من بين هذا الكلام المترابط، الذي يعالج موضوعاً اجتماعياً واحداً بعدة أساليب، يركز المشككون على لفظ: «واضربوهن» في الحالة الثانية، فيخرجوه من سياقه الموضوعي، ويقدمونه كإجراء تعسفي يستهدف المرأة «لكونها أنثى»، وأن بإمكان الرجل أن يفعله متى ما شاء، ويفسرون الضرب بأعنف تفسير له «الجلد واللطم»!!
وهذا الكلام –للأسف- أقرب للتلبيس منه إلى الجهل؛ لأن الكلام في الآية ليس عن المرأة كأنثى، ولا حتى عن سلوكها الشخصي، ولكنه جزء من إجراء عائلي ضد (النّاشز) التي تتمرد وتُخل بعقد الزوجيّة، ولم يُجد ِمعها منطق العقل بالموعظة، ولا منطق المشاعر بالهجر، وبدت مصرة على إدخال الأسرة في دوامة التفكك والضياع.
ومع ذلك فالقرآن لم يقدّم تلك الإجراءات على أنها واجبة لا يصلح غيرها، فمن أراد أن يقتصر على الموعظة والنصيحة فليفعل، ومن يريد أن يتخذ إجراءات أخرى، فليس في القرآن ما يمنعه، المهم أن تحقق الغرض وتتسم بالتوازن والعدل.
أيها الأصدقاء إن اتخاذ الإجراءات التأديبية والعقابية ضد من يُخل بالتزاماته أمر طبيعي، تقره جميع الشرائع والقوانين الكونية، سواء كان امرأة أم رجلاً، وكل مجتمع يتخير الوسائل المناسبة حَسَب عُرفه ودينه وظروفه ومدى تحقيق الغَرَض.
ولو راجعنا قوانين الغرب والشرق في هذا الباب لوجدنا فيها من القهر والظلم العجب العجاب، ولقدرنا ما جاء عن المرأة في القرآن.
* جمعه نيوزيمن من منشورات للكاتب على صفحته في الفيس بوك