محمد عبدالرحمن
حارسة التنور والجمهورية.. شهيدة "العود" حين تكون الأنثى رمزاً للمقاومة
المقاومة بالسلاح واجبة عندما لا يكون هناك خيار آخر، بندقية أصيلة الدودحي كانت خيارها الأخير للدفاع عن شرفها، وخيارها الأول للدفاع عن دماء رجال جبل العود، وخيارها الأفضل لاختتام مسيرة حياتها بشكل مشرف، وصرختها المدوية وهي توجه بندقيتها نحو عدوها الذي يحاصرها في بيتها، كانت أثقل عليه من القذائف، وأخطر من اختراق الرصاص جمجمته.
في الوقت الذي كان والدها وإخوتها يخوضون معركة الدفاع عن جبل العود، حيث كان البرابرة الحوثيون يشنون هجماتهم على كل القرى، ينهبون البيوت ويبثون الذعر والخوف في قلوب النساء والأطفال، وكانت القذائف تسقط في كل اتجاه، ودماء الرجال التي كانت تقاوم بسلاحها الشخصي تنزف، كانت أصيلة تخوض معركة الخبز مع التنور، تقاوم لفحاته ولهب اشتعال الحطب فيه.
سقط بعض رجال المقاومة شهداء وفيهم والدها وأخوها في رحاب الدفاع عن بيوتهم وأعراضهم، رفضوا الخنوع والذل، وقاتلوا بأسلحتهم البسيطة التي لا تكاد تذكر أمام سلاح البرابرة القادمين من الشمال، أسقوا بدمائهم جبل العود فاحمر وجه السماء، وقد أذاقوا العدو درساً في الرجولة والكرامة، وأن الموت دفاعاً عن الحق والشرف هو شرف يناله الأبطال.
كان الخبز قد أصبح جاهزاً، وكانت أصيلة جاهزة لاستلام راية الدفاع عن شرفها، كان يجب عليها ذلك، أن تنتقل من معركة التنور إلى معركة أشد، معركة أوقفت التاريخ في تلك اللحظة يسجل أنصع وأقدس صفحاته في تاريخ المقاومة الوطنية.
أصيلة تحمل البندقية وتتمترس خلف تنورها عندما وصل البرابرة الحوثيون إلى أمام منزلها، وجدت أن والدها بكل شجاعة سقط وهو يدافع عنها، ولا يجب أن تستسلم، هي امرأة لكنها مقاتلة، تعرف كيف تخوض معاركها بشراسة، لا يهمها الموت، ولا يهمها أن تعرف من عدوها، كل شخص يتعدى عتبة بيتها دون إذن هو عدو، كما هي القاعدة الثابتة عند كل نساء بلادنا.
عندما يشتد الظلم والبطش يتحول الضحية وإن كان ضعيفاً إلى مدافع شرس، يندفع بكل قوته لا يهمه النتيجة، لا يهمه إن سقط على الموت أو سقط عليه الموت، كذلك هي أصيلة عندما أوغل الحوثيون في القتل والبطش والنهب، تحولت بعد أن سقط الجدار الأول لحمايتها، إلى مدافعة شرسة، لم تأبه إلى كونها أنثى ضعيفة.
قاتلت عدوها بكل بسالة، اختارت جماجم المهاجمين لاستقرار رصاصاتها، وهي تنشد أسماء شهداء العود، وتغني أغاني الصباح في "جربة" الذُرة، كل أهازيج جز العُشب كانت حاضرة، والشمس عند الغروب في آخر يوم لجلب الماء من الغيل كانت شاحبة، أصيلة تقاتل، تقاوم وحدها جيشاً من البرابرة، يسندها الإيمان بالحق، وبقايا أغنية من راديو قديم.
المقاومة حق والدفاع عن النفس حق، وأصيلة كانت تملك كل هذا الحق، وكانت الشهادة في سبيل ذلك نهجا سلكته أصيلة، واستشهدت وارتفعت روحها، وسقط المعتدي في وحل العار، انتصرت وسقط الحوثي وبرابرته.
ما قامت به أصيلة يؤكد أن كل شيء يقاوم بربرية الحوثي، الرجال والنساء تقاوم وتقاتل، الكرامة والحرية أقدس من كل فكر دخيل يدعو للعبودية، وليس هناك من يؤمن بهذا الفكر ولا أحد يحب العبودية، ولن يتمكن الحوثي أن يلف اليمنيين تحت عمائم طهران السوداء، وإلا لما انطلقت المقاومة في كل مكان تتصدى له.
أصيلة هي رمز المرأة اليمنية المقاومة، وهي الدليل الكامل أن المرأة كاملة عقلاً وديناً، هي المقاتلة التي نساء البلاد وجدن أنفسهن فيها وفي بسالتها، هي الشجاعة الأنثوية التي كشفت سوء عورة الغزاة الحوثيين وضعفهم وقبحهم وسقوطهم الأخلاقي أمام المرأة اليمنية في كل المناطق.