اللاجئون الأفارقة وأنت تراهم على طول الطريق يمشون سيراً على الأقدام هاربين من الجحيم إلى الجحيم، لا يقصدون اليمن إلا نقطة عبور للوصول إلى دول أخرى بحثاً عن الحياة، كما يفعل اليمنيون وهم يغادرون بلادهم وقد تحولت إلى جحيم تأكل أجسادهم، كما فعلت باللاجئين في صنعاء هذا الأسبوع.
لم يعرفوا أن صنعاء لم تعد كما كانت وجه السعيدة، لقد تحولت واعتلى جسدها وجوه فارسية، ونبتت في شوارعها وأزقتها العتيقة نار وقودها الناس والحجارة والتاريخ والحضارة، محرقة في كل ميدان، وسياط العذاب في كل بيت وزنزانة، وخلف كل جدار أجساد احترقت بالجوع والخوف.
بهؤلاء اللاجئين الذين قدموا إلى بلادنا وجد فيهم "الحوثي" سلعة سوف تملأ خزائنه من أموال المنظمات، ولقمة سائغة يبتلعها سريعاً دون أي سوء هضم، أخذهم من الطرقات والشوارع، وكدّسهم في هناجر مخصصة لهم، وبدأ بالتسويق لجلب الأموال والدعم باسمهم، لم يكتف أن يسرق باسمنا كيمنيين، لأنه يعتقد بأن مسيرته تشمل العالمين، ولا بد أن تطال يده كل شيء.
لم يكن يعتقد اللاجئ الإفريقي أن جحيم صنعاء أشد وطأة من جهنم بلاده، ولم يكن يتوقع أن مصير جسده هو التفحم وسط هناجر الاعتقالات في صنعاء، تفحّمت عشرات الجثث وكأنها "كراتين" تحترق لتدفئة جسد المشرف الحوثي، على الرغم من اعتدال الجو في صنعاء وارتفاع درجة الحرارة.
عشرات الجثث احترقت دون أن ترجف شعرة من عين الحوثي، لا يهمه إن ماتوا حرقاً أو غرقاً، أو في جبهات القتال دفاعاً عنه، لقد اعتاد بناء المحارق لأجساد اليمنيين رجالاً ونساءً، شباباً وأطفالاً، لعل النار هي وظيفته الوحيدة لإشعال الحروب وهتك الأعراض وإغراق البلاد في جحيم لا ينتهي إلا بزواله.
مأساة حرق اللاجئين في صنعاء تدمي قلوبنا المكلومة، ما ذنبهم أن تشوى أجسادهم وكأنها جمرة على نارجيلة "الحوثي"، فوق أوجاعنا وجدنا مصابهم يشبه تلك الأوجاع، دون بلادهم وجدوا صنعاء منفى أخيراً لأجسادهم السمراء، احترقوا كما احترقت أجسادنا، ولاعب النار يبحث في كل ذلك عن المكاسب وما سيجنيه من الأموال.
أخوتنا الأفارقة، أنتم تعرفون أن صنعاء ما كانت يوماً ترفض قدومكم ولا أن تستخدمكم سلعة للمتاجرة، وما حدث من حرق لأجسادكم كان ذلك بأيادٍ ملطخة بدمائنا، وملوثة بالعار والجريمة، أيادٍ وجدت في حرق البلاد مرضاة لأسيادها في طهران، وما نحن وأنتم إلا ضحايا هذا الظلام والكهنوت الذي يمشي مختالاً خائناً للكرامة والمبادئ والدين.