عبدالله بن بجاد العتيبي
«الحوثي» بين جرائم الحرب ولغة القوة
جرائم الحرب هي وصف يمثل الانتهاكات التي يتم ارتكابها ضد القوانين والأعراف الدولية في الحروب، سواء كانت بين الدول أو ضمن النزاعات السياسية.
وميليشيا «الحوثي» في اليمن يقوم عملها العسكري، داخل اليمن وضد السعودية، على التركيز على ارتكاب أكبر عددٍ ممكنٍ من جرائم الحرب.
ما يدفع «الحوثي» للإيغال أكثر في ارتكاب تلك الجرائم هو المواقف المتخاذلة على المستوى الدولي من إدانته بشكل صريحٍ ومباشر، فالأمم المتحدة تبدو في بعض المواقف، وكأنها تدافع عن هذه الميليشيا ورفع تصنيف الإرهاب عنها من قبل الإدارة الأميركية، أوصل رسالة خاطئة لها بأن تستمر في تلك الجرائم.
استهداف الأعيان المدنية في السعودية هو أحد تلك الجرائم، وسبق للمتحدث الرسمي باسم التحالف العميد تركي المالكي، أن أشار إلى أنه لم تتعرض دولة في العالم لهذا العدد الكبير من الصواريخ الباليستية والمُسيرات الحربية كما جرى للسعودية من ميليشيا «الحوثي»، والأرقام منشورة والاستهداف مستمرٌ بشكل شبه يوميٍ.
الاستيلاء على السلطة في اليمن من قبل ميليشيا «الحوثي» تمّ بعملٍ مسلحٍ غير شرعي وبتخطيط وتدبير محكم ساعدت عليه حالة الانقسام واللامبالاة التي اقترفتها بعض الأطراف السياسية اليمنية قبل سنواتٍ، وكانت سبباً في اندلاع «عاصفة الحزم»، وبناء التحالف العربي، وهذه جريمة حربٍ.
إحراق «الحوثي» للمهاجرين الإثيوبيين في العاصمة صنعاء جريمة حربٍ، وتجنيد الأطفال جريمة حربٍ، وقتل النساء والأطفال جريمة حربٍ، وتصفية السياسيين والإعلاميين جريمة حربٍ، وتحويل التعذيب البشع إلى سياسة «حوثية» ثابتة جريمة حربٍ، وهذه وأمثالها كثير، وهي منهج تم استخدامه سابقاً في لبنان والعراق وسوريا من ميليشيات شبيهة بـ«الحوثي»، وقد تعلموا جميعاً أن القانون الدولي والقوى العظمى لن تحاكم المشاركين في هذه الجرائم من أحزابٍ أو ميليشيات أو قيادات فأصبحت سياسةً ثابتةً.
السعودية ودول التحالف العربي دولٌ مستقرة معتدلة، ودخلت الحرب في اليمن دخول الصديق المنقذ لا المحتلّ الغاشم وهو ما أطال أمدها، ولكن الرهان على طول صبر السعودية والتحالف العربي مع التصعيد «الحوثي» المستمر هو رهانٌ خاطئٌ، فالدول كالأفراد لصبرها حدود وخططها جاهزة.
بدأت مسيرة «الحوثي» مع بدر الدين الحوثي (الفقيه الزيدي)، الذي يمثل التطرف والميل نحو المذهب الإثنا عشري بنسخة الإسلام السياسي المتمثلة في التنظير الحديث لـ«ولاية الفقيه» المتأثر تأثراً كاملاً بالمذهب السُني بمعنى الانقلاب، الذي أحدثته هذه النظرية داخل المذهب الشيعي الكريم باتجاه تحويله إلى «سنة» مضادة بحسب التفصيل الذي كتبه المفكر المغربي المعروف عبدالله العروي في كتابه «السنة والإصلاح».
ورث هذه المسيرة حسين الحوثي صاحب الملازم، وهو الذي قعد القواعد ورسم البنيان النظري والتنظيمي لهذه الميليشا أيديولوجياً وعملياً وعسكرياً، ووثق الروابط مع داعمي نظرية ولاية الفقيه الحديثة وانخرط في المشروع الإقليمي لهم، ثم ورث الجميع عبدالملك الحوثي الذي لا يمتلك فقه والده ولا عقل أخيه، وإنما هو منفّذ للأوامر التي تصدر له من داعميه، وأصبح اليمن محتلاً ومستعمراً.
حلم «الحوثي» بالسيطرة على منابع النفط في اليمن يجعله يشن هجومه المستمر على مأرب، ويرتكب في ذلك كل جرائم الحرب المحرمة دولياً، ولكنه اصطدم هذه المرة بالجيش اليمني والمقاومة والقبائل مع دعمٍ كاملٍ من السعودية والتحالف العربي وهو يخسر في كل هذه المعارك.
ما الذي يجعل «الحوثي» يخسر ولا يتوقف؟
إنهما أمران: الأول، الأيديولوجيا التي لا تعترف بالسياسة ولا بالقوانين الدولية. الثاني، التخاذل الدولي عن محاسبته أملاً في توافقاتٍ دوليةٍ إقليمية موهومةٍ.
أخيراً، فلن يتوقف «الحوثي» ما لم تتم مخاطبته باللغة الوحيدة التي يفهمها وهي لغة القوة، ومن قبل لم يتوقف «حزب الله» اللبناني عن استهداف إسرائيل إلا بعد 2006 حين فهم لغة القوة.
*نقلا عن صحيفة " الإتحاد" الإماراتية