قال لنا صديق إنه قرأ في مقال علمي، أن العلماء الغربيين أوجدوا طريقة علمية تمكن أي شخص من معرفة العائلة الذي ينتسب إليها، حتى لو عاشت قبل ألف عام، وذلك من خلال فحص الحمض النووي الذي يسمى دي إن إيه.. فإذا أردت إجراء هذا الفحص فما عليك سوى إرسال عينة من لعابك، ومعها تسعة وتسعين دولاراً، إلى شركة دي إن إيه فاميلي ثري الأميركية، وبعد أسبوعين ستظهر النتائج، وسيقولون لك هل أنت من سلالة الحسين، أم من سلالة معدي يكرب الزبيدي!
قلت لو صح هذا فلا أهمية له، فمهما كانت نتيجة فحص حمضك النووي لا تأثير له على حياتك، ولا يؤهلك لشيء، ولا يزيد فيك ولا ينقص منك، فالذكاء مثلا ثبت علميا أنه يمكن تعلمه تعلما، والخبرات العلمية محصلة تعلم ودربة وتدريب، والأخلاق تورث وراثة اجتماعية، وليس وراثة جينية، والبيئة التي نشأت فيها والثقافة التي اكتسبتها هما المؤثران فيك أو في حاضرك وفي مستقبلك.
وعندنا، كما عند العلامة ابن خلدون: كل نسب وهم.. فالنسابون العرب قسموا العرب إلى عرب بائدة، عرب عاربة، عرب مستعربة، وعرب متعربة، بينما لا يوجد أي دليل علمي يثبت هذا التقسيم، وقد فحص علماء الأنثروبولوجيا جثامين عدنانيين وقحطانيين فلم يجدوا فارقا بينها، ومع ذلك جاء من يقسم اليمنيين حسب التراتب التالية: هاشمي، قاضي، قبيلي، مزين، عبد، وخادم.. هذه التراتب مبنية على وهم عنصري.. كما بنى أفلاطون جمهوريته الوهمية على تراتب المكونات الطبيعية، ذهب، فضة، نحاس، حديد، وجعل الفلاسفة في مقام الذهب، ولذلك يكونون هم الحكام.. وللنسابين العرب شغف بالأنساب لقضاء أوقات الفراغ، ولهم في هذا الباب عجائب.. فابن الكلبي كتب كتابا في أنساب خيول العرب وجيادها في الجاهلية والإسلام، وفي ذلك الكتاب قال إن حصانا يسمى زاد الراكب، أهداه النبي سليمان لأهل زوجته، وأن زاد الركب أنتج حصانا يدعى الهجيس، والهجيس أنتج حصانا يدعى أعوج الديناري، وأعوج الديناري هذا هو أب الخيول العربية الأصيلة من أمهات شتى، ومنه جاء الحصان ذو العقّال، وجاء الورد فرس النبي محمد، والورد هو أخو داحس والحنفاء.. والمعروف أن النبي سليمان مات عام 930 قبل ميلاد النبي عيسى، وبين عيسى والرسول محمد قرابة 600 سنة.. يعني بين سليمان والرسول محمد قرابة 1600 سنة، فمعقول أن حصانا أنتج 4 أجيال فقط، 4 خيول طوال 1600 سنة؟ وعلى هذا قس أنساب القبائل.
قبل سنوات حكى لنا رفيق هاشمي، هو عبد الملك المروني، قال إن أحد الأشخاص في بلدة ذمارية استغرق في المحاكم سنوات في عهد الإمام أحمد لكي يثبت أنه هاشمي من نسل الإمام علي وفاطمة الزهراء.. هذا لأن الحكم الإمامي قبل ثورة 26 سبتمبر 1962 كان في أيدي الهاشميين، فكان كل من يريد تحقيق مصلحة من الأئمة تقرب إليهم عن طريق الادعاء أنه هاشمي، فلما أتت ثورة سبتمبر بالنظام الجمهوري، الذي قام بعض رجال بحملات استئصال للهاشميين رجع الرجل نفسه إلى المحاكم، ولكن هذه المرة لكي يثبت أنه غير هاشمي.
على أنه ليس لدينا مشكلة مع الأنساب والأصول والأعراق طالما أن المدعين صلتهم بها مطمئنون إلى ذلك، وليس ثمة مشكلة حتى لو صح نسب كل الذين يدعون انتسابهم للحسن أو الحسين ابني علي بن أبي طالب، وإنما المشكلة هي عندما يترتب على هذا التقسيم نتائج عملية يراد فرضها بشتى الأساليب بما في ذلك العنف، كما سنبين في المقال التالي.