د. صادق القاضي
"عُقدة المخصي".. وتشكيل الرؤية والخطاب السياسي.!
نجحت ثورة 26 سبتمبر المجيدة في تقديم الكثير:
أخرجت اليمن من العصور الوسطى، وجعلتها جزءا من العالم والعصر الحديث. وأحدثت طفرة تنموية هائلة على مختلف جوانب الحياة في اليمن.
صحيح. أن التجربة الجمهورية لم تخل من بعض "السيئات"، لكن هذا هو الطبيعي في أي تجربة مماثلة. ما هو غير طبيعي إلقاء أخطاء الرئيس على عاتق الإمام ونظامه السابق الذي تم تجاوزه ببديل عملي ونظري أفضل.
لم يحدث هذا، على الأقل كظاهرة مقارنة بخطاب النظام الحالي، تجاه النظام السابق، بالمقارنة:
"فورة" 2011 دمرت كل شيء تقريباً. أعادت اليمن إلى ما قبل الدولة، وعزلتها عن العالم الحديث، ورمتها في هاوية الجوع والخوف والمرض والعنف والتشظي والضياع.. وليس لها حسنات من أي نوع.
ومع ذلك يتحدث تجار الحروب وأمراء الخراب وملوك الطوائف وزعماء الدويلات البديلة، والسلطات الطارئة.. وأبواقهم وأذيالهم.. عن النظام السابق، وكأنهم قد جعلوا اليمن بعده سويسرا الشرق.!
طوال حوالي 40 عاماً. كان الرئيس السابق "علي عبد الله صالح" هو الرجل الأول والأهم في الحياة السياسية اليمنية، وبالتالي هو الشخصية الأكثر أهمية وتأثيراً في تاريخ اليمن الحديث.
من الصعب تقييم تجربة طويلة حافلة بالأحداث والتحولات العميقة الكبيرة، مثل هذه التجربة وهذا العهد، وفي كل حال هي مسألة تخص الباحثين والمؤرخين، لا الهواة والمراهقين.
من الصعب أيضاً -على عكس ما يبدو للحمقى- تحويل شخصه إلى كبش فداء لخطايا النظام السابق الذي كان طوال عهده تحالفا بين قوى عسكرية وقبلية ودينية معروفة.
أمّا الأصعب على الإطلاق. لدرجة المستحيل. فهو تجاوز شخصه وعهده بالبدائل الراهنة التي هي الجانب الأسوأ في النظام القديم:
جنرال يقول إنه كان الرجل الأول في عهد النظام السابق. وجماعة دينية يقول رئيسها بأنها هي التي كانت تحكم طوال عهد الرئيس السابق، وأنه كان مجرد كرت في يدها.!
بمعنى. أن الرئيس صالح كان رئيس الدولة وكان هؤلاء حكام النظام. وما حدث هو أنهم قاموا باحتواء اضطرابات 2011. باختزال مطلب إسقاط النظام إلى إسقاط الرئيس.!
ليكن. الخيانات والانقلابات تحدث كثيراً، المهم بالنسبة للواقع اليمني اليوم قيام الحكام الجدد بالتزاماتهم تجاه السلطة التي صارت في يدهم. لا تقديم المغدور بهم كمبررات مناسبة للفشل.!
الرئيس السابق ذهب بما له وما عليه، واليوم: كلنا نريد تجاوزه وإحالته إلى التاريخ كرئيس سابق. مسألة التجاوز هذه مهمة للغاية، ولا يمكن أن تتم بالضرورة إلا ببديل أفضل، أو على الأقل مماثل، أو في أسوأ الأحوال ببديل أسوأ بشكل معقول.!
بينما في الواقع، لا يوجد هذا البديل الأفضل أو حتى الاسوأ بشكل معقول. ليس لأن الأرحام في اليمن عقمت عن إنجاب الأفضل. فاليمن ولادة. وستظل كذلك دائماً. بل لأن البدائل القائمة عقيمة. بدرجة مجربة حد اليأس.
فقط. المخصيون عقليا ونفسيا وإنسانيا وأخلاقيا هم سادة الموقف، وهم من يتصدرون المشهد الراهن، ويديرونه بموجب "عُقدة المخصي" تجاه الفحول، وبالتحديد "عقدة المخصي تجاه الزوج الأول"، بما يفسر عداءهم لرجال الدولة الأحياء والأموات:
يحاربون الكفاءات والكوادر المؤهلة القادرة، من كل الأطراف، وفي المقابل يغرقون في كأس ماء، ويعجزون عن حكم شارعين في مدينة كانت نموذجية.!
من الواضح حد السخرية. أنهم فاشلون حتى في البحث عن مبررات للفشل:
محاولة تحويل الرئيس السابق إلى مشجب لتعليق أخطائهم وخطاياهم. خطأ وخطيئة إضافية، ليس لأنه كان بلا أخطاء وخطايا، فحسب رأيي: هؤلاء الذين قال إنهم "خبزه وعجينه" هم أكبر أخطائه وخطاياه.!
بل. لأننا كدولة وشعب ندفع كلفة هذه السماجة الوقحة، كل شيء في اليمن يتآكل وينهار ويضيع، يوما بعد يوم، ليصبح الماضي هو "الزمن الجميل"، بفضل انحطاط الحاضر، وبفضل الاقزام والقوى الفئوية والمشاريع الصغيرة. يتعملق الرئيس السابق، وقد يتحول إلى أسطورة وطنية ملهمة في الخيال الشعبي. للأجيال القادمة.