د. صادق القاضي
الإسلام السياسي والسلطة.. طرق الوصول والمغادرة.!
ذات مرة. قال رجل الدين السوداني الشهير "حسن الترابي" ما معناه: إن وصول "الإسلام السياسي" إلى السلطة في العالمين الإسلامي والعربي. حتمية تاريخية: سنصل إليها لا محالة:
- إما بالثورة. كما حدث في السودان.
- أو بالديمقراطية. كما حدث في الجزائر.!
- أو بالجهاد. كما حدث في أفغانستان.
كان هذا في تسعينيات القرن الماضي، ويمكن اليوم. مدّ هذه القائمة. بإضافة:
-وإما بالانفصال. كما حدث في غزة.
- أو بالناتو. كما حدث في ليبيا.
- أو ركوباً على غوغائية الشارع. كما حدث في مصر وتونس. خلال الربيع العربي.
- فضلاً عن الطريقة اليمنية: الشراكة في النظام طوال خمسة عقود ماضية.
كان الترابي حينها منتشياً. بالنجاح الساحق لـ"الجبهة الإسلامية للإنقاذ" الجزائرية. في الانتخابات البرلمانية 1991. ما ترتب عنه تحويل البلاد إلى حمام دم، وبنجاح "الجهاد في سبيل الناتو" في السيطرة على العاصمة كابول. 1992م. ومن ثمّ تحويل أفغانستان إلى غابة، ومن قبلهما نجاح "الانقلاب العسكري" المسمى. "ثورة الإنقاذ الوطني 1989 في السودان، والذي قال "الإخوان" عنه يومها:
إن الطبيعة ذاتها انقلبت استجابةً له، فأصبح السودان بين يوم وليلة جنة زاخرة بالنعيم. حتى أن أسماك البحر الأحمر هاجرت من سواحله الشرقية إلى سواحله الغربية ليصطادها السودانيون المحظوظون بهذا النظام الإلهي الجديد!
أمّا ما حدث على الأرض هناك. فكما نعرف جميعا، وكما كان متوقعاً: نجح الإخوان في الوصول إلى السلطة، وفشلوا في إدارتها، في تجربة مريرة عاجفة كانت أبرز ملامحها:
زج البلاد في قضايا وحروب وصراعات أهلية أثنية، أدت إلى تمزقها جغرافيا واجتماعيا ووطنياً.. فضلاً عن اندثار الحريات والحقوق، وطغيان الفساد، وغياب التنمية، لتصبح أقصى أحلام المواطن السوداني الهجرة عن وطن صار أشبه بالجحيم.!
بل كان يمكن للسودان أن تنزلق إلى سيناريوهات أكثر رعبا وعبثية، لولا أن الرئيس البشير، كان. رغم كل شيء. قوي الشخصية أمام المرجعية الدينية السياسية "الترابي"، وتمكن من فرض شخصيته على الجماعة، ووضع حدا لمغامراتها الجنونية. فظلت تحكم وفق هذه الضوابط.
هذه النقطة مهمة. لصلتها بتجربة الرئيس مرسي، في مصر. هذا الأخير. مقارنة بالبشير. كان ضعيف الشخصية تماماً أمام المرجعية. مجرد موظف أمام المرشد محمد بديع. وخيرت الشاطر وبقية أعضاء مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين.
لم يكن يحكم. بل يصادق على القرارات التي تصدرها الجماعة، وهذا أحد أهم أسباب فشله وسقوطه السريع، بعد عام واحد. مقارنةً بـ31 عاماً نجح فيها البشير في الحفاظ على سلطته، رغم الفشل المحتوم لنظامه الإسلامي.
أمّا الترابي. فقد انتهى به المطاف سريعاً في السجن، أكثر من مرة، ويمكن تصوّر أنه هناك فكّر -في مقابل تفصيله للطرق التي تؤدي بالإسلاميين إلى السلطة، أو تؤدي بالسلطة إلى الإسلاميين- بالطرق التي تؤدي إلى مغادرتهم للسلطة، أو مغادرة السلطة لهم، وهي بالمثل كثيرة:
- إما بالثورة: كالتي أنقذت السودان من نظام ثورة الانقاذ 2020م.
- أو بتدخل الجيش: كما حدث لـ"الجبهة الإسلامية للإنقاذ" في الجزائر. 1992.
- أو بالجهاد: كما حدث في أفغانستان بواسطة طالبان 1996.
- أو بالناتو: كما حدث في أفغانستان لطالبان لاحقاً.
- أو على يد جماعة أخرى للإسلام السياسي، كما حدث للإخوان في اليمن على يد الجماعة الحوثية.
- أو بالثورة الشعبية: كما حدث في مصر على نظام المرشد محمد بديع.
- أو بالدستور: كما حدث مؤخرا في تونس. ضد جماعة النهضة. في خطوة لم تتضح أبعادها ومآلاتها بعد.
- أو بالديمقراطية: ولماذا لا؟!. رغم أن جماعات الإسلام السياسي، بمختلف فصائلها، لا تعترف بالديمقراطية إلا عندما تتسع شعبيتها، ولا تؤمن من الديمقراطية إلا بصناديق الاقتراع، ولا تؤمن بصناديق الاقتراع إلا كطريق إلى السلطة، أما كطريق لمغادرتها فهذا دونه خرط القتاد.!