د. صادق القاضي
طالبان لم تعد عصابة.. لكن هل ستصبح دولة؟!
لا يمكن إنكار أن طالبان لم تعد مجرد عصابة جهادية خالصة. لا تعرف غير السلاح، ولا تؤمن بغير العنف، كما كانت عليه منذ البدء وطوال العقود الماضية. في السلطة والمقاومة.
على الأقل هذا ما تقوله المؤشرات الأولية الإيجابية الصادرة منها منذ سيطرتها على العاصمة كابل مؤخراً:
- إصدار العفو العام.
- تصريحاتها المطمئنة عن المرأة والعمل والتعليم.
- انفتاحها على الحوار والشراكة مع مكونات أخرى.
- إشاراتها الإيجابية لدول الجوار والعالم: الصين وروسيا والغرب..
هذه الأشياء. مفاجآت مدهشة. من حيث صدورها من حركة أصولية نمطية مرتبطة بالإرهاب، وبإيواء أشهر وأخطر الجماعات الإرهابية. "منظمة القاعدة"!.
لكنها. لا تعني أن طالبان قد أصبحت "دولة". بالمعنى المادي والمهني والفكري، والبعد الوطني والأخلاقي للدولة.. هذا التحول صعب للغاية، ولا يتم بمجرد السيطرة على السلطة.
سبق لطالبان أن سيطرت على السلطة دون أن تصبح دولة.
ومع ذلك تظل هذه المؤشرات الأولية علامات مهمة على تحول من نوعٍ ما. كمفارقات مثيرة تحتاج إلى تفسير: هل صدور هذه المؤشرات غير المتوقعة من طالبان:
- مناورات دبلوماسية لمخاتلة الداخل والخارج قبل التمكن الكامل من السلطة. كما يرى معظم الأفغان والأجانب؟!
- أم تغيرت هذه الجماعة فعلا على المستوى الأيديولوجي؟!.
- أم أن كل ما في الأمر أن طالبان تنفذ التزاماتها بتعهدات سابقة ضمن اتفاقيات بينها وبين أمريكا، تمت في قطر خلال العام الماضي؟!
من أهم هذه الاتفاقيات. الموقع عليها. بتاريخ 29 فبراير 2020م. والمعروفة بـ"اتفاقية إحلال السلام في أفغانستان"، وتضمنت تعهدات ملزمة متبادلة. أبرزها:
• التزامات طالبان:
- عدم السماح باستخدام أراضي أفغانستان من قبل أي جماعة أو فرد للإضرار بأمن الولايات المتحدة وحلفائها.
- إجراء مفاوضات داخلية بين الأطراف الأفغانية الأفغانية.
• التزامات أمريكا:
انسحاب جميع القوات الأجنبية من أفغانستان.
• التزامات مشتركة:
- إقامة علاقة إيجابية بين الطرفين والبلدين مستقبلا.
بموجب هذه الشروط وغيرها سلمت أمريكا أفغانستان لطالبان التي يبدو أنها تعلمت بالتجربة أن الناتو قادر على إسقاطها مجددا في حال الإخلال بهذه الالتزامات المبرمة برعاية وضمانة دولية.
يبدو أيضاً أن طالبان سئمت من عبثية الحرب، وتريد أن تكون دولة بأي شكل، وهذا يقتضي بالضرورة التخلي عن بعض القيم الأصولية التي تحول بينها وبين الانفتاح على الاختلاف في الداخل والخارج.
وهذا هو التحدي الأصعب الذي ستواجهه طالبان، معركتها الحقيقية لن تكون مع الآخرين، بل مع أيديولوجيتها الشمولية المتحجرة، وعناصرها الأكثر تطرفاً من قيادات وكوادر الجماعة.
وفي الواقع هذه المعركة الخلاقة هي معركة كل فصائل الإسلام السياسي المعاصر. مشكلة هذه الجماعات فيها أكثر مما هي في الآخرين، والحل محاولة تجاوز نفسها، وهي عملية صعبة عرضة للانتكاس والفشل.
وفي حالة طالبان: قد تعود حليمة إلى عادتها القديمة، وهذا احتمال راجح لدى الكثير من المراقبين. لكن حتى ذلك الحين. وحسب ما يبدو من خطاباتها المهذبة وممارساتها المسئولة حتى الآن:
طالبان لم تعد عصابة، وهي تسير في الاتجاه الصحيح، وهذا بالتأكيد سيكون في صالح طالبان وأفغانستان والعالم.